فى أنفسهم بتزكيتها وتطهيرها من شوائب الأدران وسيىء الأخلاق ، وينتفع به الناس فى تهذيبهم وتحسين معايشهم ، ولكن هؤلاء لا يزدادون بجهلهم وسوء اختيارهم إلا إثما يضرهم فى أنفسهم ، بالتمادى فى مكابرة الحق ، وتأييد سلطان الشر فى الخلق.
فحياة هؤلاء المتخلفين عن الجهاد ليست خيرا من قتل أولئك الذين قتلوا يوم أحد إذ بقاؤهم صار وسيلة للخزى فى الدنيا والعقاب الدائم فى الآخرة ، وقتل هؤلاء صار سبيلا للثناء الجميل فى الدنيا ، والثواب الجزيل فى الآخرة.
فترغيب أولئك المثبّطين عن الجهاد فى مثل هذه الحياة ، وتزيينها لهم مما لا ينبغى أن يروج إلا عند الجهال الذين لا يفهمون قيمة الحياة الحقة التي يجب أن تكون نصب عين العاقل.
والخلاصة ـ إن هذا الامهال والتأخير ليس عناية من الله بهم ، وإنما هو قد جرى على سننه فى الخلق ، بأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر فإنما هو ثمرة عمله ، ومن مقتضى هذه السنة أن يكون الإملاء للكافر علة لغروره ، وسببا لا سترساله فى فجوره ، ونتيجة ذلك الإثم الذي يكسبه العذاب المهين.
وفى الآية من العبرة :
(١) إن من شأن الكافر أن يزداد كفرا بطول عمره ، ويتمكن من العمل بحسب استعداده.
(٢) إن من شأن المؤمن إذا أنسأ الله أجله أن تكثر حسناته ، وتزداد خيراته ، فليجعل المؤمن هذا دستورا فيما بينه وبين ربه ، ويحاسب نفسه على مقتضاه ، فإذا فقهه وعمل به خرج من الظلمات إلى النور ، وكان من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين.
ثم بين أن الشدائد هى محكّ صدق الإيمان فقال :
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أي ما كان من سنن الله فى عباده أن يذر المؤمنين على مثل الحال التي كانوا عليها