المزحزحون هم الذين غلبت صفاتهم الروحية على الصفات الحيوانية فأخلصوا فى إيمانهم ، وجاهدوا فى الله حق جهاده ، ولم يبق فى نفوسهم شائبة من إشراك غير الله معه فى عمل من أعمالهم.
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي وما حياتنا القربى التي نحن فيها ونتمع بلذاتها الحسية من مأكل ومشرب ، أو المعنوية كالجاه والمنصب والسيادة إلا متاع الغرور لأن صاحبها دائما مغرور مخدوع لها ، تشغله كل حين بجلب لذاتها ودفع آلامها ، فهو يتعب لما لا يستحق التعب ، ويشقى لتوهم السعادة.
والخلاصة ـ إن الدنيا ليست إلا متاعا من شأنه أن يغرّ الإنسان ويشغله عن تكميل نفسه بالمعارف والأخلاق التي ترقى بروحه إلى سعادة الآخرة.
فينبغى له أن يحذر من الإسراف فى الاشتغال بمتاعها عن نفسه وإنفاق الوقت فيما لا يفيد ، إذ ليس للذاتها غاية تنتهى إليها فلا يبلغ حاجة منها إلا طلب أخرى.
فما قضى أحد منها لبانته |
|
ولا انتهى أرب منها إلا إلى أرب |
وعليه أن يسعى لكسب علم يرقى به عقله ، أو عمل صالح ينتفع به وينفع عباده ، مع إصلاح السريرة ، وخلوص النية ، وقد قال بعض الصوفية : «عليك بنفسك إن لم تشغلها شغلتك».
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) بعد أن سلى سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بما سبق آنفا زاد فى تسليته بهذه الآية ، وأبان له أنه كما لقى هو ومن معه من الكفار أذى يوم أحد فسيلقون منهم أذى كثيرا بقدر ما يستطيعون من الإيذاء فى النفس أو فى المال ، والمقصد من هذا الإخبار أن يوطنوا أنفسهم على الصبر وترك الجزع حتى لا يشق عليهم البلاء عند نزوله بهم.
والابتلاء فى الأموال يكون بالبذل فى جميع وجوه البر التي ترفع شأن الامة الإسلامية وتدفع عنها أعداءها وتردّ عنها المكاره وتدفع عنها غوائل الأمراض والأوبئة.