مما لاقيت ، فقد قتلوا كثيرا منهم كيحي وزكريا عليهما السلام ـ زاده هنا تسلية وتعزية أخرى ، فأبان أن كل ما تراه من عنادهم فهو منته إلى غاية ، وكل آت قريب فلا تضجر ولا تحزن على ما ترى منهم ، وأنهم سيجازون على أعمالهم فى دار الجزاء كما تجازى ، وحسبك ما تصيب من حسن الجزاء ، وحسبهم ما أصيبوا به وما يصابون به من الجزاء فى الدنيا ، وسيوفون الجزاء كاملا يوم القيامة.
الإيضاح
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي كل نفس تذوق طعم مفارقة البدن وتحس به ، وفى هذا إيماء إلى أن النفس لا تموت بموت البدن ، لأن الذي يذوق هو الموجود ، والميت لا يذوق. فالذوق شعور لا يجس به إلا الحي.
(وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وإنما تعطون جزاء أعمالكم كاملا وافيا يوم القيامة ، وفى ذكر التوفية إشارة إلى أن بعض الأجور من خيرا وشر قد تصل إليهم فى الدنيا جزاء أعمالهم ، ويؤيده ما أخرجه الترمذي والطبراني مرفوعا ، «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران».
(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) أي فمن خلص من العذاب ووصل إلى الثواب فقد فاز بالمقصد الأسمى والغاية التي لا مطلب بعدها ، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليؤت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه».
والخلاصة ـ إن هناك جنة ونارا ، وإن من الناس من يلقى فى هذه ومنهم من يلقى فى تلك ، وإن هول النار عظيم ، وعبر عن النجاة عنها بالزحزحة كأن كل شخص كان مشرفا على السقوط فيها ، لأن أعمالهم سائقة لهم إلى النار ، لأنها أعمال حيوانية تسوق إليها ولا يدخل الجنة أحد إلا إذا زحزح ، فالزحزحة عنها فوز عظيم ، وأولئك