وأنها خارجة عن هذا العالم ، إذ أنها تدل على أن الجنة أعظم منه ، فلا يمكن أن يكون محيطا بها.
ثم وصف الله المتقين بجملة أوصاف كلها مناقب ومفاخر فقال :
(١) (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ) أي الذين ينفقون فى السعة والضيق ، فينفقون فى كل حال بحسبها ، ولا يتركون الإنفاق بوجه.
وأثر عن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب ، وأثر عن بعض السلف أنه تصدق ببصلة ، وفى الحديث «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة ، وردوا السائل ولو بظلف محرق». وقد بدأ الله وصف المتقين بالإنفاق لأمرين :
(ا) أنه جاء فى مقابلة الربا الذي نهى عنه فى الآية السابقة ، إذ أن الصدقة إعانة للمعوز المحتاج ، وإطعام له ما لا يستحقه ، والربا استغلال الغنى حاجة ذلك المعوز لأكل أمواله بلا مقابل فهى ضده.
ومن ثم لم يرد فى القرآن ذكر الربا إلا ذم وقبّح ، ومدحت معه الزكاة والصدقة ، اقرأ قوله : «وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» وقوله «يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ».
(ب) أن الانفاق فى حالى اليسر والعسر أدل على التقوى ، لأن المال عزيز على النفس ، فبذله فى طرق الخير والمنافع العامة التي ترضى الله يشق عليها ، أما فى السراء فلما يحدثه السرور والغنى من البطر والطغيان وشدة الطمع وبعد الأمل ، وأما فى الضراء فلأن الإنسان يرى أنه أجدر أن يأخذ لا أن يعطى ، ولكنه مع هذه الحال لا يعدم وقتا يجد فيه ما ينفقه فى سبيل الله ولو قليلا.
وحب الخير هو الذي يحرك فى الإنسان داعية البذل لإنفاق هذا العفو القليل ، فإن لم توجد تلك الداعية بحسب الفطرة فالدين ينميها ويقويها ، إذ هو قد جاء لتعديل الأمزجة المعتلة ، وإصلاح الفطر المعوجة.