ثم زاد النهى تأكيدا فقال :
(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) أي وابتعدوا عن متابعة المرابين ، وتعاطى ما يتعاطون من أكل الربا الذي يفضى بكم إلى دخول النار التي أعدها الله للكافرين.
وفى هذا من شديد الزجر ما لا يخفى ؛ فان المؤمنين الذين خوطبوا باتقاء المعاصي إذا علموا أنهم متى فارقوا التقوى أدخلوا هذه النار كان انزعاجهم عن المعاصي أتم ، ومن ثم روى عن أبى حنيفة رحمة الله أنه كان يقول : إن هذه أخوف آية فى القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدّة للكافرين إن لم يتقوه فى اجتناب محارمه.
ثم بالغ فى النهى وشدّد فيه أيما تشديد فقال :
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي وأطيعوا الله ورسوله فيما نهيا عنه من أكل الربا ، وما أمرا به من الصدقة ، كى ترحموا فى الدنيا بصلاح حال المجتمع وفى الآخرة بحسن الجزاء على أعمالكم ، وقد ورد فى الأثر «الراحمون يرحمهم الرحمن» رواه أبو داود والترمذي.
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي وبادروا إلى العمل لما يوصلكم إلى مغفرة ذنوبكم ويدخلكم جنة واسعة المدى أعدّها الله لمن اتقاه وامتثل أوامره ، وترك نواهيه ، فاعملوا الخيرات ، وتوبوا عن الآثام كالربا ونحوه ، وتصدقوا على ذوى البؤس والفاقة.
روى أن رسول هرقل ملك الروم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه : إنك كتبت تدعونى إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار [يريد أنه إذا دار الفلك حصل النهار فى جانب من العالم ، والليل فى ضد ذلك الجانب ، فكذا الجنة فى جهة العلو والنار فى جهة السفل].
وقال أبو مسلم : إن العرض هنا ما يعرض من الثمن فى مقابلة المبيع أي ثمنها لو بيعت كثمن السموات والأرض ، والمراد بذلك عظم مقدارها وجلالة خطرها ، وأنه لا يساويها شىء وإن عظم.
(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) أي هيئت لهم وفى الآية دليل على أن الجنة مخلوقة الآن ،