وهذا دليل على أنكم قوم غلاظ الأكباد ، (وبذلك وصفوا فى التوراة) قساة القلوب لا تفقهون الحق ولا تذعنون له ، وأنكم لم تطلبوا هذه المعجزة استرشادا ، بل تعنتا وعنادا.
وقد نسب هذا الفعل إلى من كان فى عصر التنزيل وقد وقع من أسلافهم ، لأنهم راضون عما فعلوه ، معتقدون أنهم على حق فى ذلك ، والأمة فى أخلاقها العامة وعاداتها كالشخص الواحد ، وقد كان هذا معروفا عند العرب وغيرهم ، فتراهم يلصقون جريمة الشخص بقبيلته ، ويؤاخذونها بها.
والخلاصة ـ إن أسلافكم كانوا متعنتين ، وما أنتم إلا كأسلافكم ، فلم يكن من سنة الله إجابتكم إلى ملتمسكم بالإتيان بالقربان ، إذ لا فائدة منه.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أي فإن كذبوك بعد أن جئتهم بالبينات الساطعة ، والمعجزات الواضحة ، والكتاب الهادي إلى سواء السبيل ، مع استنارة الحجة والدليل ـ فلا تأس عليهم ، ولا تحزن لعنادهم وكفرهم ، ولا تعجب من فساد طويّتهم ، وعظيم تعنتهم ، فتلك سنة الله فى خليقته ، فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بمثل ما جئت به من باهر المعجزات وهزّوا القلوب بالزواجر والعظات ، وأناروا بالكتاب سبيل النجاة ، فلم يغن ذلك عنهم شيئا ، فصبروا على ما نالهم من أذى ، وما نالهم من سخرية واستهزاء.
وفى هذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وبيان لأن طباع البشر فى كل الأزمنة سواء فمنهم من يتقبل الحق ويقبل عليه بصدر رحب ونفس مطمئنة ، ومنهم من يقاوم الحق والداعي إليه ، ويسفّه أحلام معتنقيه.
فليس بالعجيب منهم أن يقاوموا دعوتك ، ولا أن يفنّدوا حجتك ، فإن نفوسهم منصرفة عن طلب الحق ، وتحرّى سبل الخير.