وطاعة الرسول : هى اتباع ما جاء به من الدين عن ربه ، فطاعته هى بعينها طاعة الله كما قال فى هذه السورة (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) فهو إنما يأمرنا بما يوحيه إليه الله بما فيه منافع لنا فى الدنيا والآخرة ، وإنما ذكرها مع طاعة الله للاشارة إلى أن الإنسان لا يستغنى بعقله وعلمه عن الوحى وأنه لا بد له من هداية الدين إذ لم يكن العقل وحده فى عصر من العصور كافيا لهداية أمة ولا مرقّيا لها بدون معونة الدين ، فاتباع الرسل والعمل بهديهم هو أساس كل مدنية ، والارتقاء المعنوي هو الذي يبعث على الارتقاء المادي ، فالآداب والفضائل التي هى أسس المدنيات تستند كلها إلى الدين ، ولا يكفى فيها بناؤها على العلم والعقل ، والجنات التي تجرى من تحتها الأنهار تقدم تفسيرها ، ونحن نؤمن ونعتقد أنها أرفع مما نرى فى هذه الدنيا ، وليس لنا أن نبحث عن كيفيتها لأنها من عالم الغيب ، والفوز العظيم : الظفر والفلاح الذي لا يذكر بجانبه الفوز بحظوظ الدنيا القصيرة المنغصة بالأكدار (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقال فى ذكر أهل الجنة خالدين ، وفى ذكر أهل النار خالدا ، إشارة إلى تمتع أهل الجنة بالاجتماع وأنس بعضهم ببعض ، والمترفون يسرون بمثل هذا التمتع ، وأما الذي فى النار فإن له من العذاب ما يمنعه من الأنس فكأنه وحيد لا يجد لذة فى الاجتماع بغيره ولا أنسابه. يرشد إلى ذلك قوله تعالى «وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ» وتعدى الحدود الموجب للخلود فى النار : هو الإصرار على الذنب وعدم التوبة عنه ، فللمذنب حالان :
١) غلبة الباعث النفسي من الشهوة أو الغضب على الإنسان حتى يغيب عن ذهنه الأمر الإلهى ، فهو يقع فى الذنب وقلبه غائب عن الوعيد لا يتذكره أو يتذكره ضعيفا كأنه نور ضئيل يلوح فى ظلمة ذلك الباعث المتغلب ثم لا يلبث أن يزول أو يختفى ، حتى إذا سكنت الشهوة أو سكت الغضب وتذكر النهى والوعيد ندم وتاب ولام نفسه أشد اللوم ، ومثل هذا جدير بالنجاة إذ هو من المسارعين إلى الجنة كما قال تعالى فى أوصافهم «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».