إلا بشرى يفرخ بها روعكم ، وطمأنينة لقلوبكم التي طرقها الخوف من كثرة عدد عدوكم وعظيم استعداده.
وفى هذا إيماء إلى أن فى ذكر الإمداد غايتين :
(١) إدخال السرور فى القلوب.
(٢) حصول الطمأنينة ببيان أن معونة الله ونصرته معهم ، فلا يجبنوا عن المحاربة.
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) العزيز هو القوى الذي لا يمتنع عليه شىء ، والحكيم هو الذي يدبّر الأمور على خير السنن وأقوم الوسائل ، فيهدى لأسباب النصر الظاهرة والباطنة من يشاء ، ويصرفهما عمن يشاء.
والمراد ـ أنه يجب توكلكم على الله لا على الملائكة ، فيجب على العبد ألا يتكل على الأسباب فقط ، بل يقبل على مسبب الأسباب ، إذ هو الذي لا يعجز عن إجابة الدعوات ، فعليكم ألا تتوقعوا النصر إلا من رحمته ، ولا المعونة إلا من فضله وكرمه.
فإن حصل الإمداد بالملائكة فليس ذلك إلا جزءا من أسباب النصر ، وهناك أسباب أخرى كإلقاء الرعب فى قلوب الأعداء ، ومعرفة المواقع ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ سلك إلى أحد أقرب الطرق وأخفاها على العدو ، وعسكر فى أحسن موضع وهو الشّعب (الوادي) وجعل ظهر عسكره إلى الجبل ، وجعل الرماة من ورائهم ، إلى نحو ذلك من الأسباب التي تمكنه من الظهور على عدوه ، والغلبة عليه.
فلما اختل بعض هذه التدبيرات ، وفات الرماة مواضعهم لم ينتصروا.
والذي عليه أهل العلم أنه لم يحصل يوم أحد إمداد بالملائكة ولا وعد من الله بذلك ، وإنما أخبر عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك لأصحابه وجعل الوعد به معلقا على شروط ثلاثة :
(١) الصبر. (٢) التقوى. (٣) إتيان الأعداء من فورهم ، ولم تتحقق هذه الشروط ، فلم يحصل الإمداد ، ولكن القول أفاد البشارة والطمأنينة.