وأنه لا يليق بهم أن يطعنوا فى نبوته ، ولا أن يوجهوا شبها لدينه ، ذاك أن اليهود والنصارى أمروا بشرح ما فى التوراة والإنجيل وبيان ما فيهما من الدلائل الناطقة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته ، فكيف يليق بهم بعد هذا إيراد تلك المطاعن والشبه وكانوا أجدر الناس بدفعها وأحقهم بتأييده والذّود عن دينه لما فى كتابيهما من البشارة به وتوكيد دعوته ، فالعقل قاض بأن يظاهروه ، ودينهم حاكم بأن يؤيدوه ، ومن العجب العاجب أن يطرحوا حكم العقل والنقل وراءهم ظهريا ، وهل مثل هؤلاء يجدى معهم الحجاج والجدل ، أو تقنعهم قوة الدليل والحجة.
الإيضاح
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) أي واذكروا حين أخذ الله العهد والميثاق على الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى بلسان أنبيائهم ، ليبيننّ كتابهم للناس غير كاتمين له ، بأن يوضحوا معانيه كما هى ، ولا يؤولوه ولا يحرفوه عن مواضعه التي وضع لتقريرها ، ويذكروا مقاصده التي أنزل لأجلها ، حتى لا يقع اضطراب ولا لبس فى فهمه.
فإن لم يفعلوا ذلك فإما أن يبينوه على غير وجهه ولا يكون هذا بيانا ولا كشفا لأغراضه ومقاصده ، وإما ألا يبينوه بتاتا ويكون هذا كتمانا له.
وهذه الآية وإن كانت لليهود والنصارى ، فإن العبرة فيها تنطبق على المسلمين أيضا ، فإنهم مع حفظهم لكتابهم وتلاوتهم إياه فى كل مكان ، فى الشوارع والأسواق ومجتمعات الأفراح والأحزان ـ تركوا تبيينه للناس ، ففقدوا هدايته وعميّت عليهم عظاته وزواجره ، وحكمه وأسراره ، واعترفوا بأنهم انحرفوا عنه وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر.
وتبيين الكتاب على ضربين :
(١) تبيينه لغير المؤمنين به لدعوتهم إليه
(٢) تبيينه للمؤمنين به لهدايتهم وإرشادهم بما أنزل إليهم من ربهم