(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فإذا عقدت القلب على فعل شىء وإمضائه بعد المشاورة ومبادلة الرأى فيه ، فتوكل على الله ، وفوّض الأمر إليه بعد أخذ الاهبة واستكمال العدّة ، ومراعاة الأسباب التي جعلها الله وسيلة للوصول إلى المسببات كما
ورد فى الحديث «اعقلها وتوكل».
ولا تتكل على ما أوتيت من حول وقوة ، ولا على إحكام الرأى وأخذ العدة ، فذلك كله ليس بكاف فى النجاح ما لم تقرن به معونة الله وتوفيقه ، لأن الموانع الخارجية والعوائق التي تحول دون الوصول إلى البغية ، لا يحيط بها إلا علام الغيوب ، فلا بد من الاتكال عليه والاعتماد على حوله وقوته.
وفى الآية إيماء إلى وجوب إمضاء العزيمة متى استكملت شروطها التي من أهمها المشورة.
وسر هذا أن نقض العزائم خور فى النفس ، وضعف فى الأخلاق يجعل صاحبه غير موثوق به فى قول ولا فعل ، ولا سيما إذا كان رئيس حكومة ، أو قائد جيش ، ومن ثم لم يصغ النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشورة من رجع عن رأيه الأول وهو الخروج إلى أحد حين لبس لامته وخرج ، إذ رأى أن هذا شروع فى العمل بعد أن أخذت الشورى حقها.
وبذلك علمهم أن لكل عمل ميقاتا محدودا ، وأن وقت المشورة متى انتهى جاء طور العمل ، وأن الرئيس إذا شرع فى العمل تنفيذا للشورى لا يجوز أن ينقض عزيمته ، ويبطل عمله ، ولو كان يرى أن أهل الشورى أخطئوا الرأى والتدبير كما حدث فى مسألة أحد كما تقدم.
ولا يزال أهل السياسة والحرب فى البلاد ذات الحضارة والمدنية يجرون على هذه القاعدة ويجعلونها دستورا لأعمال أممهم ، ولا ينقضونها على أي حال ، حتى قال أحد كبار الساسة الإنجليز : إن السياسة متى قررت شيئا وشرعت فيه وجب إمضاؤه وامتنع نقضه والرجوع عنه وإن كان خطأ.