إِخْواناً) أي واذكروا أيها المؤمنون النعمة التي أنعم الله عليكم بها حين كنتم أعداء يقتل بعضكم بعضا ، ويأكل قويكم ضعيفكم ، فجاء الإسلام فألف بينكم وجمع جمعكم ، وجعلكم إخوانا ، حتى قاسم الأنصار المهاجرين أموالهم وديارهم ، وكان بعضهم يؤثر غيره على نفسه وهو فى خصاصة وحاجة إليه ، وأطفأ الحروب التي تطاولت بين الأوس والخزرج مائة وعشرين سنة ، وأنقذهم مما هو أدهى وأمر وهو عذاب الآخرة.
(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) أي وكنتم بوثنيتكم وشرككم بالله ، كأنكم على طرف حفرة يوشك أن ينهار بكم فى النار ، فليس بين الشرك والهلاك فى النار إلا الموت ، والموت أقرب غائب ينتظر ، فأنقذكم الإسلام منها.
وفى هذه الآيات جماع المنن التي أنعم بها عليهم ، فقد أخرجهم بالإسلام من الشرك ومخازيه ، وألف بين قلوبهم حتى صاروا سادة البشر ، حين كانوا يعملون بكتابه وأنقذهم بذلك من النار ، فسعدوا بالحسنيين.
فانظر إلى آيات الله ، ودلائل قدرته ، كيف حوّل قوما متخاذلين تملأ قلوبهم الإحن والعداوات ، ويتربص كل منهما بالآخر ريب المنون ـ إلى جماعات متصافية القلوب ، مليئة بالحب والإخلاص ، وجهتهم جميعا واحدة ، هى حكم الله ورفعة دينه ، ونشره بين البشر.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي كما بين لكم ربكم فى هذه الآيات ما يضمره لكم اليهود من غشكم ، وبين لكم ما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، وبين لكم الحال التي كنتم عليها فى الجاهلية ، وما صرتم إليه فى الإسلام ، ليعرفكم فى كل ذلك مواقع نعمه ـ كذلك يبين سائر حججه فى تنزيله على لسان رسوله ، ليعدّكم للاهتداء الدائم ، حتى لا تعودوا إلى عمل الجاهلية من التفرق والعدوان.
والاختلاف الذي يقع بين البشر ضربان :
(١) ضرب لا يسلم منه الناس ، ولا يمكن الاحتراس منه ، وهو الخلاف