والابتلاء فى الأنفس يكون ببذلها فى الجهاد فى سبيل الله وبموت من تحب من الأهل والأصدقاء أو بالمدافعة عن الحق ، وفائدة الابتلاء تمييز الخبيث من الطيب ، وفائدة الإخبار به أن نعرف السنن الإلهية ونهيىء أنفسنا لمقاومتها ، فإن من تقع به المصيبة فجأة على غير انتظار يعظم عليه الأمر ويحيط به الغمّ حتى ليقتله فى بعض الأحايين ، لكنه إذا استعد لها اضطلع بها وقوى على حملها.
وكذلك من تحدث له النعمة على غير توقع لها ، فإنها تحدث له دهشة وتهيجا فى الأعصاب ، وربما أصيب بشلل أو اضطراب عقلى أو موت فجائى ، والحوادث المشاهدة فى هذا الباب كثيرة.
(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) هذا سبيل آخر من الابتلاء فى الأنفس ، وخصه بالذكر لأهميته أي إنكم ستسمعون إيذاء كثيرا من اليهود والنصارى والمشركين ، ومن ذلك حديث الإفك (قذف أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها) وتألب اليهود عليهم ونقض عهودهم ومحاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أجلاهم عن المدينة فأمن شرهم ، واتفاق اليهود مع أحزاب المشركين وزحفهم على المدينة لاستئصال المسلمين ، فقد حاصروهم وأوقعوا بهم شديد البلاء وضيّقوا عليهم وفى ذلك يقول الله تعالى : «إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً».
(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي وإن تصبروا على ما سيحل بكم من البلاء فى أموالكم وأنفسكم ، وعلى ما تسمعون من أهل الكتاب والمشركين من الأذى وتتقوا ما يجب اتقاؤه ، فإن ذلك الصبر والتقوى من معزومات الأمور أي الأمور التي ينبغى أن يعزمها كل أحد ، لما فيه من كمال المزية والشرف.
روى الزهري أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش فى شعره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة