فلما كان يوم أحد ولّى منهم من ولّى فعاتبهم الله على ذلك.
روى عن الحسن أنه قال : بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلنّ ولنفعلنّ فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلّهم صدق فأنزل الله عز وجل (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) الآية.
ومعنى قوله فقد رأيتموه ـ أنكم شاهدتم أسبابه من ملاقاة الشجعان بعدّتهم وأسلحتهم وكرّهم وفرهم ، مشاهدة لا خفاء فيها ولا شبهة ، وكان لها الأثر العميق فى نفوسكم.
ومعنى تمنى الموت تمنى الشهادة فى سبيل الله والقتال لنصرة الحق ولو ذهبت نفوسكم دونه.
وصفوة القول ـ لقد كنتم تتمنون الموت قبل أن تلاقوا القوم فى الميدان ، فهأنتم أولاء قد رأيتم ما كنتم تتمنونه ، وأنتم تنظرون إليه لا تغفلون عنه ، فما بالكم دهشتم عند ما وقع الموت فيكم ، وما بالكم تحزنون وتضعفون عند لقاء ما كنتم تحبون وتتمنون ، ومن تمنى الشيء وسعى إليه لا ينبغى أن يحزنه لقاؤه ويسوءه.
وفى الآية الكريمة تنبيه لكل مؤمن إلى اتقاء الغرور بحديث النفس والتمني والتشهي ، وهديه إلى اختبار نفسه بالعمل الشق وعدم الثقة منها بما دون الجهاد والصبر على المكاره فى سبيل الحق ، حتى يأمن الدعوى الخادعة التي يتوهم فيها أنه صادق فيما يدّعى مع الغفلة أو الجهل بعجزه عنه.
وكثيرا ما يتصور بعض الناس أنه يحب ملته ووطنه ويفكر فى خدمتهما ويتمنى لو يتاح له أن يساهم فى تلك الخدمة بنفسه أو بماله ، حتى إذا احتيج إليه وجد من نفسه الضعف ، فأعرض عن العمل قبل الشروع ، أو بعد أن ذاق مرارته وكابد مشقته.
ولكن المؤمن حقا من وصل الأمر به إلى حد اليقين فيما يعتقد أنه حق ، وذلك يستدعى العمل مهما كان شاقا ، والجهاد مهما كان عسيرا ، والصبر على المكاره ، وإيثار الحق على الباطل.