وكأن هذا عقوبة لهم على إنكارهم الإعادة بعد الإفناء بتكرارها مرة بعد أخرى ، ليروها عيانا ، حيث أنكروها برهانا.
ثم بين علة تعذيبهم ، لعله يرجع منهم من قضى بسعادته فقال :
(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) أي ذلك العذاب الذي جاز يناهم به من البعث على العمى والبكم والصّمم هو جزاؤهم الذي يستحقونه على تكذيبهم بالبينات والحجج التي جاءتهم ، وعلى استبعادهم وقوع البعث ، وقولهم : أبعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك والتفرق فى أرجاء الأرض نعاد مرة أخرى ـ استنكارا منهم وتعجبا من أن يحصل ذلك.
ثم استدل على البعث فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي ألم يعلموا ويتدبروا أن الذي خلق السموات والأرض ابتداعا على غير مثال سابق وأقامهما بقدرته ـ قادر على أن يخلق أمثالهم من الخلق بعد فنائهم ، وكيف لا يقدر على إعادتهم ، والإعادة أهون من الابتداء؟.
وبعد أن أثبت أن البعث أمر ممكن الوجود فى نفسه ، أردف ذلك أن لحصوله وقتا معلوما عنده فقال.
(وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي وجعل لإعادتهم وقيامهم من قبورهم أجلا مضروبا ومدة مقدرة لا بد من انقضائها ، لا يعلمها إلا هو كما قال : «وما نؤخّره إلّا لأجل معدود».
وخلاصة ذلك ـ إنهم قد علموا بالبرهان العقلي أن الله قادر على إعادتهم ، وقد جعل لميقات إعادتهم أجلا وهو يوم القيامة الذي لا شك فيه ، فلا وجه لإنكاره.
(فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي وبعد إقامة الحجة عليهم أبوا إلا تماديا فى ضلالهم وكفرهم مع وضوح الحجة وظهور المحجّة.