ثم بين السبب فى عدم إجابتهم إلى ما طلبوا من الجنات والعيون بأنهم لو ملكوا خزائن الدنيا لبقوا على شحّهم فقال :
(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) المراد من الإنفاق هنا الفقر كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ، وروى نحوه عن قتادة وإليه ذهب الراغب فقال : يقال أنفق فلان إذا افتقر ، وقال أبو عبيدة : أنفق وأملق وأعدم وأصرم بمعنى ، أي قل لهم أيها الرسول : لو أنكم تملكون التصرّف فى خزائن الله لأمسكتم خشية الفقر : أي خشية أن تزول وتذهب مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدا.
وقصارى ذلك ـ إنكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على والشح والبخل ، وفى هذا إيماء إلى أن الله لا يجيبكم إلى ما طلبتم من نبيه صلى الله عليه وسلّم من بساتين وعيون تنبع ، لا بخلا منه ، ولكن اقتضت الحكمة أن يكون نظام الدنيا هكذا ، ولا رقىّ للإنسان إلا على هذا المنوال ، فهو يوسّع الرزق على قوم ويضيّقه على آخرين على مقتضى الحكمة والمصلحة ، ومن ثم لم ينزل ما اقترحتموه.
(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي وكان الإنسان بخيلا منوعا بطبعه كما قال «أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون النّاس نقيرا» أي لو أن لهم نصيبا فى ملك الله لما أعطوا أحدا شيئا ولا مقدار نقير.
وقد روى البخاري ومسلم «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء (أخذ) الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما فى يمينه».
وإجمال المعنى ـ إن الله لم يجب محمدا إلى ما طلبتم ، لا هوانا لنبيه ، ولا لأنه ليس بنبي ، ولا بخلا منه (حاشاه) بل لحكمة منه ، فر بما كانت وفرة العطاء إذا نزلت على غير وجهها مصايب على الناس ، فأما أنتم فمنعكم يجرى على طريق البخل ، فلو سلم لكم السموات والأرض وادّارستموها لم تفهموا إلا الإمساك ، ومن ثم لا يسلمكم مفاتيح خزائنه ، لئلا تمسكوا المال لأنفسكم ولا تنفعوا خلقه.