(بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) أي ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ولا هو كائن ، وكنتم مع الافتخار على المؤمنين بالأموال تنكرونه ، فالآن قد استبان لكم أنه حق ، وأنه لا مال ولا ولد بين أيديكم.
(٥) (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) أي ووضع كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير فى يد صاحب اليمين والشمال ، فترى المجرمين جميعا نادمين على ما فيه من قبائح أعمالهم ، وسىء أفعالهم وأقوالهم ، وظهور ذلك لأهل الموقف ، خائفين من عقاب الحق ، والفضيحة عند الخلق.
(وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها؟) أي ويقولون حين وقوفهم على ما فى تضاعيفه : يا حسرتنا على ما فرطنا فى جنب الله ، ما لهذا الكتاب لا يترك هنة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعدّها ، فهو محيط بجميع ما كسبته يد الإنسان.
ونحو الآية قوله : «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» وقوله : «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» وما مثل النفس إلا مثل الزجاجة التي يضعها المصور فى صندوق آلة التصوير ، فكل صورة تقع عليها تلتقطها وتحفظها من ضار ونافع ، فإذا كشف الغطاء أبصرنا كل ما عملنا ورأينا صوره كما هى من حسن وسىء ، وفضيلة ورذيلة ، فتفعل فى عقولنا فعلها دون كلام ولا كتابة ، وكل امرئ يراها يقرؤها والناس فيها سواء.
ثم أكد ما سلف بقوله :
(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مثبتا فى كتابهم ، خيرا كان أو شرا كما قال :
«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً» الآية. وقال : «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ».
(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) من خلقه ، بل يعفو ويصفح ، ويغفر ويرحم ، ويعذب