لا جرم أن هذا المقام المحمود بالرشد والإرشاد يتبعه مقام الشفاعة ، إذ لا شفاعة فى الآخرة إلا على مقدار ما أوتى المشفوع له فى الدنيا من علم وخلق ، ولله فى الشفاعة ما يشاء من غفران وإعلاء درجات.
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي وقل داعيا رب أدخلنى فى كل مقام تريد إدخالى فيه فى الدنيا وفى الآخرة مدخلا صادقا أي يستحق الداخل فيه أن يقال له أنت صادق فى قولك ، فعلك ، وأخرجنى من كل ما تخرجنى منه مخرج صدق أي يستحق الخارج منه أن يقال له أنت صادق.
وخلاصة ذلك ـ أدخلنى إدخالا مرضيا كإدخالى للمدينة مهاجرا ، وإدخالى مكة فاتحا ، وإدخالى فى القبر حين الموت ، وأخرجنى إخراجا محفوظا بالكرامة والرضا ، كإخراجى من مكة مهاجرا ، وإخراجى من القبر للبعث.
ثم سأل الله القوة بالحجة والتسلط على الأعداء فقال :
(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أي واجعل لى تسلطا بالحجة والملك ، فأقنع المستمعين للدعوة بالحجة ، ويكون للإسلام الغلبة بالاستيلاء على أهل الكفر.
وقد أجاب الله دعاءه ، وأعلمه أنه يعصمه من الناس كما قال : «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» وقال : «فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ» وقال : «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ».
ثم أمره أن يخبر بالإجابة بقوله :
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) أي وقل للمشركين مهددا لهم : إنه قد جاءهم الحق الذي لا مرية فيه ، ولا قبل لهم به. وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع ، واضمحل باطلهم وهلك ، إذ لا ثبات له مع الحق كما قال : «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ».
(إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) أي مضمحلا لا ثبات له فى كل آن.
أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : «دخل النبي صلى الله عليه وسلّم