لا ينفك عنه بحال ؛ والعرب تضرب المثل للشىء الذي يلزم بالشيء الذي يوضع فى العنق ، فيقولون جعلت هذا فى عنقك أي قلدتك هذا العمل وألزمتك الاحتفاظ به ، وخصوا العنق لأنه يظهر عليه ما يزين المرء كالقلائد والأطواق ، أو ما يشينه كالأغلال والأوهاق (الحبال تجرّ بها الدواب).
وخلاصة هذا ـ إن كل إنسان منكم معشر بنى آدم ألزمناه نحسه وسعده ، وشقاءه وسعادته ، بما سبق فى علمنا أنه صائر إليه ، ونحن نخرج له حين الحساب كتابا يراه منشورا وفيه أعماله التي كسبها فى الدنيا ، وقد أحصى عليه ربه فيه كل ما أسلف فى تلك الحياة.
أخرج ابن جرير عن الحسن أنه قال : قال الله يا بن آدم بسطنا لك صحيفة ، ووكّل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن يسارك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا متّ طويت صحيفتك فجعلت فى عنقك معك فى قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، قد عدل والله من جعلك حسيب نفسك.
(اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي ونخرج له يوم القيامة حين البعث والحساب كتابا يلقاه منشورا ، فيقال له اقرأ كتاب عملك الذي عملته فى الدنيا وكان الملكان يكتبانه ويحصيانه عليك ، وحسبك اليوم نفسك عليك حاسبا تحسب عليك أعمالك فتحصيها ، لا نبتغى عليك شاهدا غيرها ، ولا نطلب محصيا سواها.
وبعد أن ذكر أن القرآن هاد للتى هى أقوم وأن الأعمال لازمة لأصحابها بين أن منفعة العمل ومضرته راجعة إلى عامله فقال :
(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي من استقام على طريق الحق واتبعه ، واتبع الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلّم ، فنفسه قد نفع ، ومن حاد عن قصد السبيل وسار على غير هدى وكفر بالله ورسوله وبما جاء به من