الإيضاح
لما ذكر سبحانه أنه ما آتاهم من العلم إلا قليلا ، بين أنه لو شاء أن يأخذ منهم هذا القليل لفعل فقال :
(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي والله لئن شئنا لنمحونّ القرآن من الصدور والمصاحف ولا نترك له أثرا ، وتصيرنّ كما كنت لا تدرى ما الكتاب ولا الإيمان. أخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه والطبراني والبيهقي فى جماعة آخرين ، عن ابن مسعود قال : «إن هذا القرآن سيرفع ، قيل كيف يرفع وقد أثبته الله فى قلوبنا وأثبتناه فى المصاحف؟ قال يسرى عليه فى ليلة واحدة فلا تترك منه آية فى قلب ولا مصحف إلا رفعت ، فتصبحون وليس فيكم منه شىء ثم قرأ هذه الآية».
وعنه أنه قال : ذهاب القرآن رفعه من صدور قارئيه.
(ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) أي ثم لا تجد ناصرا ينصرك ، فيحول بيننا وبين ما نريد بك ، ولا قيّما لك يمنعنا من فعل ذلك بك.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي ولكن رحمة من ربك تركه ولم يذهب به ، وفى هذا امتنان من الله ببقاء القرآن. قال الرازي إنه تعالى امتن على جميع العلماء بنوعين من المنة ، أحدهما : تسهيل ذلك العلم عليهم. ثانيهما : إبقاء حفظه (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) إذ أرسلك للناس بشيرا ونذيرا ، وأنزل عليك الكتاب ، وأبقاه فى حفظك ومصاحفك ، وفى حفظ أتباعك ومصاحفهم ، وصيّرك سيد ولد آدم ، وختم بك النبيين ، وأعطاك المقام المحمود.
ثم نبه إلى شرف القرآن العظيم وكبير خطره فقال :
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أي قل لهم متحديا : والله لئن اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله بلاغة وحسن معنى وتصرفا وأحكاما ونحو ذلك ، لا يأتون بمثله وفيهم العرب الفصحاء وأرباب البيان ، ولو تعاونوا وتظاهروا ،