(هـ) أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الباقية ، كفاء رحمتهما لك فى صغرك وجميل شفقتهما عليك.
وعلى الجملة فقد بالغ سبحانه فى التوصية بهما من وجوه كثيرة ، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ، ونظمهما فى سلك القضاء بهما معا.
وقد ورد فى بر الوالدين أحاديث كثيرة منها :
(١) إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يستأذنه فى الجهاد معه فقال أحيّ والدك؟ قال نعم ، قال ففيهما فجاهد».
(٢) مارواه مسلم وغيره : «لا يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه».
(٣) ما روى عن ابن مسعود قال : «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أىّ العمل أحب إلى الله ورسوله؟ قال الصلاة على وقتها ، قلت ثم أىّ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أىّ؟ قال الجهاد فى سبيل الله».
وبر الأم مقدم على بر الأب ، لما روى الشيخان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال أمك ، قال ثم من؟ قال أمك ، قال ثم من؟ قال أمك ، قال ثم من؟ قال أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة ، بل يكون بعد الموت أيضا ، فقد روى ابن ماجه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل : هل بقي من بر أبويّ شىء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال نعم ، خصال أربع : الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما ، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما».
والخلاصة ـ إنه سبحانه بالغ فى التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق ، وتقف عندها شعورهم ، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته ، ثم شفعهما بالإحسان إليهما ثم ضيّق الأمر فى مراعاتهما حتى لم يرخّص فى أدنى كلمة تنفلت من المتضجر ، مع موجبات الضجر ، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها ، وأن