وقد تقدم فى سورة البقرة أن المراد بإقامة الصلاة أداؤها على الوجه الذي سنه الدين ، والنّهج الذي شرطه ، من توجيه القلب إلى مناجاة الرب ، والخشية منه فى السر والعلن ، مع اشتمالها على الشرائط والأركان التي أوضحها الأئمة المجتهدون ؛ والصلاة لبّ العبادة ، لما فيها من مناجات الخالق ، والإعراض عن كل ما سواه ، ودعائه وحده ، وهذا هو مخّ كل عبادة ، وفى الحديث «اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) أي ففى الفجر تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار وتشهده جميعا ، ثم يصعد أولئك ويقيم هؤلاء ، روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون فى صلاة الصبح ، وفى صلاة العصر فيعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم ، كيف تركتم عبادى؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلون» وروى الترمذي عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم فى قوله : «(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» وقد يكون المراد كما قال الرازي ـ إن الإنسان يشهد فيه آثار القدرة وبدائع الحكمة ، فى السموات والأرض ، فهناك الظلام الحالك الذي يزيله النور الساطع ، وهناك يقظة النوم بعد الخمود والغيبوبة عن الحس إلى نحو ذلك من مظاهر القدرة فى الملك والملكوت ، فكل العالم يقول بلسان حاله أو مقاله «سبّوح قدّوس ، رب الملائكة والروح».
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي واسهر بعض الليل وتهجد به ، وهو أول أمر له صلى الله عليه وسلّم بقيام الليل زيادة على الصلوات المفروضة. روى مسلم عن أبى هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلّم سئل : أىّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال صلاة الصبح» وقد ثبت في صحيح الأحاديث عن عائشة وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتهجد بعد نومه.
(نافِلَةً لَكَ) أي إنها مخصوصة بك وحدك دون الأمة ، فهى فريضة عليك ومندوبة فى حق أمتك.