ثم أجابهم سبحانه بجواب آخر بقوله :
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي قل لهم : إن الله لما أظهر المعجزة وفق دعواى كان ذلك شهادة منه على صدقى ، ومن شهد له الله فهو صادق ، فادّعاؤكم أن الرسول يجب أن يكون ملكا تحكّم منكم وتعنت.
وخلاصة ذلك ـ إن الله شاهد علىّ وعليكم ، عالم بما جئتكم به ، فلو كنت كاذبا عليه لا نتقم منى أشد الانتقام كما قال سبحانه : «ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل.
لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين».
ثم ذكر سبحانه ما هو كالتهديد والوعيد بقوله :
(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إنه محيط بأحوال عباده الظاهر منها والباطن ، وأعلم بمن يستحق الإحسان والرعاية ، ومن هو أهل للشقاء والضلال.
وفى هذا إيماء إلى أنه ما دعاهم إلى إنكار نبوته صلى الله عليه وسلّم إلا الحسد وحب الرياسة والتكبر عن قبول الحق ، كما أن فيه تسلية له صلى الله عليه وسلّم على ما يلقاه من الإصرار والعناد والإمعان فى إيذائه.
ثم أخبر سبحانه بأنه لا معقّب لحكمه ، ولا سلطان لأحد من خلقه فى شىء فقال :
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) أي ومن يهد الله للإيمان به وتصديقك وتصديق ما جئت به من عند ربك ، فهو المهتدى إلى الحق ، المصيب سبيل الرشد ، ومن يضلله لسوء اختياره وتدسيته نفسه ، وركوبه رأسه فى الغواية والعصيان كهؤلاء المعاندين ، فلن تجد لهم أنصارا ينصرونهم من دونه يهدونهم إلى الحق ، ويمنعون عنهم العذاب الذي يقتضيه ضلالهم.
(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) أي ونجمعهم فى موقف الحساب بعد تفرقهم فى القبور ـ عميا وبكما وصما كما كانوا فى الدنيا ، لا يستبصرون