يذلّ ويخضع لهما ، ثم ختمها بالدعاء لهما والترحم عليهما ، وهذه الخمسة الأشياء جعلها سبحانه من رحمته بهما ، مقرونة بوحدانيته ، وعدم الشرك به.
ولما كان بر الوالدين عسيرا حذّر من التهاون فيه فقال :
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) أي ربكم أيها الناس أعلم منكم بما فى نفوسكم ، من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم والبر بهم ، ومن الاستخفاف بحقوقهم والعقوق بهم ، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه ، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا ، وتعقدوا لهم فى نفوسكم عقوقا ، فإن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم ، وأطعتم ربكم فيما أمركم من البر بهم ، والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم أو زلة فى واجب لهم عليكم ، فإنه تعالى يغفر لكم ما فرط منكم ، فهو غفار لمن يتوب من ذنبه ، ويرجع من معصيته إلى طاعته ، ويعمل بما يحبه ويرضاه.
وفى هذا وعد لمن أضمر البر بهم ، ووعيد لمن تهاون بحقوقهم ، وعمل على عقوقهم.
وبعد أن أمر بالبر بالوالدين أمر بالبر بأصناف ثلاثة أخرى فقال :
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) أي وأعط أيها المكلّف القريب منك حقه ، من صلة الرحم والمودة ، والزيارة وحسن العشرة ، وإن كان محتاجا إلى النفقة فأنفق عليه ما يسد حاجته. والمسكين ذا الحاجة. وابن السبيل وهو المسافر لغرض دينى ، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده.
ولما رغب سبحانه فى البذل بيّن الطريق التي تتبع فى ذلك فقال :
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) أي ولا تفرّق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال فى معصيته تفريقا ، بإعطائه من لا يستحقه.
ونحو الآية قوله «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً».
قال عثمان بن الأسود : كنت أطوف المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه