وعلمهم به ، مما يخفف من غلوائهم ، ويكبح جماح إنكارهم ويردهم إلى رشدهم.
ذاك أن حال هؤلاء الفتية فى تلك الحقبة الطويلة ، وقد حبست عن التصرف نفوسهم ، وعطّلت مشاعرهم وحواسهم ، وحفظت من التحلل والتفتّت أبدانهم ، وبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب ، ثم رجعت بعدئذ تلك المشاعر والحواس إلى حالها ، وأطلقت النفوس من عقالها ، وأرسلت إلى تدبير أبدانها ، فرأت الأمور كما كانت ، والأعوان هم الأعوان ، ولم تنكر شيئا عهدته فى مدينتها ، ولم تتذكر حبسها المدى الطويل عن التصرف فى شؤونها ـ وحال الذين يقومون من قبورهم بعد ما تعطلت مشاعرهم وحبست نفوسهم ـ من واد واحد فى الغرابة ، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند ، ووقوع الأول يزيل الارتياب فى إمكان وقوع الثاني ، ولا يبقى بعد ذلك شك فى أن وعد الله حق ، وأن الله سيبعث من فى القبور ، فيردّ عليهم أرواحهم ، ويجازيهم جزاء وفاقا بحسب أعمالهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وهو الحكم العدل ، اللطيف الخبير.
(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي وكذلك أطلعنا عليهم بيدروس وقومه حين ينازع بعضهم بعضا فى أمر البعث ، فمن مقرّ به ، وجاحد له ، وقائل تبعث الأرواح دون الأجساد ـ ففرح الملك وفرحوا بآية الله على البعث ، وزال ما بينهم من الخلاف فى أمر القيامة ، وحمدوا الله إذا رأوا ما رأوا مما يثبتها ، ويزيل كل ريب فيها.
ثم حكى آراء القوم فى شأنهم بعد اطلاعهم عليهم فقال :
(فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) أي إنهم انقسموا فى شأنهم فريقين ، فريق يقول : نسد عليهم باب الكهف ونذرهم حيث هم ، وفريق يقول : نبنى عليهم مسجدا يصلى فيه الناس ، وقد غلب هذا الفريق الفريق الأول فى الرأى.
وقوله (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) جملة معترضة من كلامه تعالى ردا للخائضين فى أمرهم