الإيضاح
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) تقدم أن قلنا فى سورة البقرة : إن الملائكة عالم من العوالم الغيبية لا نعرف حقيقتهم ، والقرآن الكريم يرشد إلى أنهم أصناف ، لكل صنف عمل ، وقد جاء على لسان الشرع إسناد إلهام الحق والخير إليهم ، كما يستفاد من خطابهم لمريم عليها السلام ، وإسناد الوسوسة إلى الشياطين كما ورد فى الحديث «إن للشيطان امّة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإبعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإبعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، وليحمد الله على ذلك ، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ بالله من الشيطان ثم قرأ : «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ».
الملائكة والشياطين أرواح لها اتصال بأرواح الناس على وجه لا نعرف حقيقته ، بل نؤمن به كما ورد ، ولا نزيد عليه شيئا. وكلنا نشعر بأنا إذا هممنا بأمر فيه وجه للحق أو الخير ، ووجه للباطل أو الشر ـ بأن فى نفوسنا تنازعا وكأن هاجسا يقول افعل ، وآخر يقول : لا تفعل ، حتى ينتصر أحد الطرفين على الآخر ، فهذا الذي أودع فى النفوس ونسميه قوة وفكرا ـ لا يبعد أن نسميه ملكا إن كان يميل إلى الخير ، وشيطانا إن كان يميل إلى الشر.
والسجود : الخضوع والانقياد ، وكان تحية للملوك عند بعض القدماء كما جاء من سجود يعقوب وأولاده ليوسف ، والسجود قسمان : سجود العقلاء تعبدا على الوجه المخصوص ، وسجود سائر المخلوقات لمقتضى إرادته تعالى كما قال «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ».
والمعنى ـ واذكر أيها الرسول لقومك وقت قولنا للملائكة : اسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام اعترافا بفضله ، واعتذارا عما قالوه فى شأنه من نحو قولهم : «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها» فسجدوا كلهم أجمعون امتثالا إلا إبليس أبى واستكبر.