وعندي أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر ، وبلغنا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أقبل الخبيث أبو لهب بشرّ ، يجرّ رجليه ، وقد أكبته الله وأخزاه بما جاءه من الخبر حتى جلس على طرف (١) الحجرة وقال للناس : هذا أبو سفيان بن حرب قد قدم واجتمع عليه الناس ، فقال له أبو لهب : هلم إليّ يا ابن أخي ، فعندك لعمري (٢) الخبر ، فجاءه حتى جلس بين يديه فقال : يا ابن أخي ، خبرني خبر الناس ، فقال : نعم والله ما هو إلّا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يضعون السلاح منا حيث شاءوا ، والله مع ذلك سالمت (٣) الناس ؛ لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، لا والله ما تليق (٤) شيئا يقول : ما تبقى شيئا فرفعت طنب الحجرة. فقلت : تلك والله الملائكة ، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة منكرة ، وبادرته وكنت رجلا ضعيفا ، فاحتملني وضرب بي ، وبرك على صدري ، فضربني وتقوم أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فتأخذه فتقول : استضعفته إن غاب عنه سيّده؟ وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقه شجة منكرة ، وقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة (٥) ، فو الله ما مكث إلّا سبعا حتى مات ، فلقد تركه ابناه في بيته ثلاثا ما يدفناه حتى أنتن وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما تتقي الطاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش : ويحكما ، ألا تستحيان ، إن أباكما قد أنتن في بيت لا تدفناه ، فقالا : إنا نخشى عدوى هذه القرحة ، فقال لهما : فأنا أعينكما عليه ، فو الله ما غسلوه إلّا قذفا بالماء عليه من بعيد لا يدنون منه حتى احتملاه إلى أعلى مكة ، فأسنداه إلى جدار ثم رضموا (٦) عليه الحجارة.
قال ابن مندة : رواه يوسف بن بهلول عن ابن إدريس عن محمّد بن إسحاق.
__________________
(١) في سيرة ابن كثير ٢ / ٤٧٩ ومختصر ابن منظور ٢ / ٢٩٧ «طنب الحجرة» وهما بمعنى.
(٢) بالأصل : «نعم من» والمثبت عن سيرة ابن كثير.
(٣) كذا ، وفي المختصر : هلكت الناس.
(٤) بالأصل : يلتق ، والصواب من سيرة ابن كثير ، وتليق : تبقي.
(٥) العدسة : بثرة قاتلة تخرج ، كالطاعون ، قاتلة تقتل صاحبها ، كانت تتشاءم منها العرب.
(٦) بالأصل : ضموا ، والمثبت عن سيرة ابن كثير.