إسحاق الإسفرايني ـ رحمهالله ـ يقول : لما قدمت من بغداد كنت أدرس في جامع نيسابور مسألة الروح ، وأشرح القول في أنها مخلوقة ، وكان أبو القاسم النصرآباذي قاعدا متباعدا عنا فصغى إلى كلامي فاجتاز بنا بعد ذلك يوما بأيام قلائل فقال لمحمد الفرّاء : أشهد أني أسلمت على يد هذا الرجل ، وأشار إليّ.
قال : وسمعت محمد بن الحسين يقول : قيل للنصرآباذي (١) : إن بعض الناس يجالسون النّسوان ، ويقول أنا : معصوم (٢) في رؤيتهنّ ؛ فقال : ما دامت الأشباح باقية فإن الأمر والنهي باق ، والتحليل والتحريم مخاطب بهما ولن يجترئ على الشّبهات إلّا (٣) من هو يعرض المحرمات.
قال : وسمعت أبا صادق بن حبيب قال : سمعت النصرآباذي يقول (٤) : ضعفت في البادية مرة ، فآيست من نفسي ، فوقع بصري على القمر ـ وكان ذلك بالنهار ـ فرأيت مكتوبا عليه : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ)(٥) فاستقللت ، ففتح عليّ من ذلك الوقت هذا الحديث.
قال (٦) : وسمعت الشيخ أبا عبد الرّحمن السلمي يقول : قيل للنصرآباذي ليس لك من المحبة شيء ، فقال : صدقوا ، ولكن لي حسراتهم ، فهو ذا احترق فيه.
وسمعته يقول (٧) : قال النصرآباذي : المحبة مجانبة السّلوّ على كل حال ، ثم أنشد يقول :
ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة |
|
فإني من ليلي لها غير ذائق |
وأكبر شيء نلته من وصالها |
|
أمانيّ لم تصدق كلمحة بارق |
قال : وقال أبي (٨) : رأى النصرآباذي بمكة بعد وفاته في النوم فقيل له : ما فعل الله
__________________
(١) الرسالة القشيرية ص ٤٣٨.
(٢) الرسالة القشيرية : ويقولون : نحن معصومون.
(٣) الرسالة القشيرية : إلّا من تعرض للمحرمات.
(٤) الرسالة القشيرية ص ٢٩١.
(٥) سورة البقرة ، الآية : ١٣٧.
(٦) الرسالة القشيرية ص ٣٢٣.
(٧) الرسالة القشيرية ص ٣٢٣ وذكر البيتين ، وهما في المختصر.
(٨) الرسالة القشيرية ص ٣٧١.