الْجاهِلِيَّةِ)(١) ولو حميتم كما حموا ، لفسد المسجد الحرام. فقال عمر بن الخطاب : من أقرأكم هذه القراءة؟ فقالوا : أبيّ بن كعب. فقال عمر لرجل من أهل المدينة : ادع لي أبيّ بن كعب ، وقال لرجل من الدمشقيين : انطلق معه ، فذهبا فوجدا أبيّ بن كعب في منزله يهنأ (٢) بعيرا له بيده ، فسلّما ، ثم قال له المدني : أجب أمير المؤمنين عمر ، فقال أبيّ بن كعب : ولما ذا دعاني أمير المؤمنين؟ فأخبره المدني بالذي كان ، فقال أبيّ للدمشقي : والله ما كنتم منتهون معشر الركب أو يشتد من منكم شر ثم جاء إلى عمر بن الخطاب وهو مشمّر والقطران على يديه ، فلما أتى عمر بن الخطاب قال لهم عمر : اقرءوا ، فقرءوا ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ، فقال أبيّ : نعم لعمر أنا أقرأتهم. فقال عمر بن الخطاب لزيد بن ثابت : اقرأ يا زيد فقرأ زيد قراءة العامة ، فقال عمر : اللهمّ لا أعرف إلّا هذا ، فقال أبيّ : والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنى ويحجبون ويصنع بي ويصنع بي ، وو الله لئن أحببت لألزمنّ بيتي فلا أحدّث شيئا ، ولا أقرىء أحدا حتى أموت. فقال عمر بن الخطاب : اللهمّ غفرا إنّا لنعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلّم الناس ما علّمت.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد الفقيه ، أنا أبو البركات أحمد بن عبد الله المقرئ ، أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان ، أنا الحسن بن الحسين بن حمكان ، نا أبو بكر النقاش ، نا ابن خزيمة النّيسابوري ـ بنيسابور ـ نا المزنيّ قال : سمعت الشافعي يقول : قال رجل لأبيّ بن كعب : أوصني يا أبا المنذر ، قال : لا تعترض فيما لا يعنيك ، واعتزل عدوّك ، واحترس من صديقك ، ولا تغبطنّ حيّا بشيء إلّا بما تغبطه به ميتا ، ولا تطلب حاجة إلى من لا يبالي ألّا يقضيها لك.
أخبرنا أبو القاسم الشّحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو نصر بن قتادة ، أنا أبو منصور النّضروي (٣) ، نا أحمد بن نجدة ، نا سعيد بن منصور ، نا سفيان ، عن عمرو ، وعن بجالة (٤) أو غيره قال : مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف (النَّبِيُّ
__________________
(١) سورة الفتح ، الآية : ٢٦.
(٢) هنأ الإبل يهنؤها أي طلاها بالهناء ، أي القطران (القاموس).
(٣) اسمه العباس بن الفضل بن زكريا ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٣٣١ (٢٤٠).
(٤) وهو بجالة بن عبدة التميمي البصري.