رأيتموني وإبليس فأوهيت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين اصبعي هاتين ـ الإبهام والتي تليها ـ ولو لا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة» (١) ، ولكن سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبى أن يفعل ذلك تحقيقا لدعوة أخيه سليمان عليهالسلام (٢).
ومنها (سادسا) أسال الله لسليمان عين القطر ، قال تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (٣) ، وهذه من خصوصيات سليمان كما كانت إلانة الحديد من خصوصيات أبيه داود ، فهو إذن من المحتمل للإعجاز ، وقد يكون ذلك بأن فجر الله له عينا بركانية من النحاس المذاب من الأرض ، أو هو من قبيل العلم الذي آتاه الله تعالى عبده سليمان ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، وذلك بأن ألهمه الله تعالى إذابة النحاس حتى يسيل ، ويصبح قابلا للصب والطرق ، وهذا فضل من الله كبير (٤).
هذا وقد أثبتت الحفريات الأثرية ، كما سنوضح بالتفصيل في مكانة من هذه الدراسة ، أن مدينة «عصيون جابر» ، إنما كانت ميناء ومركزا صناعيا في دولة سليمان ، وقد اكتشفها بعثة أمريكية برياسة «نلسون جلوك» في موقع «تل الخليفة» على مبعدة ٥٠٠ مترا من ساحل البحر ، على الطرق الشمالي من خليج العقبة ، على مقربة من ميناء «إيلات» الحالي (٥) ، وعلى أية حال ، فإنه لم يعثر حتى الآن في
__________________
(١) مسند الإمام أحمد ٣ / ٨٣.
(٢) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٦.
(٣) سورة سبأ : آية ١٢ ، والقطر هو النحاس ، وإسالته إذابته حتى يكون كالماء ليستطاع صبه في قوالب خاصة تنشأ فيها الصناعات التي يريدها سليمان من آلات الحرب وغيرها ، للنحاس خاصية في هذا يدل على أنه أقوى من الحديد ، بدليل قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، إذ لو لم يكن القطر أقوى من الحديد ، لما احتاج إلى تقوية الحديد وإمساكه بإفراغ القطر عليه (عويد المطرقي : المرجع السابق ص ٨١).
(٤) في ظلال القرآن ٥ / ٢٨٩٨ ، عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٨١.
(٥) محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٧٩٢ ـ ٧٩٤ ، وكذاJ.Hornell ,Antiquity , ٦٦.p ، ١٩٤٧ ، ٢١ ـ