مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (١).
هذا وقد اختلف المفسرون والمؤرخون في قصد سليمان عليهالسلام من استحضار عرشها قبل مجيئها مسلمة مع قومها ، كما اختلفوا كذلك في هذا الذي عنده علم من الكتاب ، والذي قال : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، فأما عن الهدف من استحضار العرش ، فذهب رأي إلى أنه وسيلة لعرض مظاهر القوة الخارقة التي تؤيده لتؤثر في قلب الملكة وتقودها إلى الإيمان بالله والإذعان لدعوته ، ويقول الفخر الرازي : واختلفوا في غرض سليمان عليهالسلام من إحضار ذلك العرش على وجوه ، أحدها : أن المراد أن يكون ذلك دلالة لبلقيس على قدرة الله تعالى ، وعلى نبوة سليمان عليهالسلام حتى تنضم هذه الدلالة إلى سائر الدلائل التي سلفت ، وثانيها : أراد أن يؤتي بذلك العرش فيغيّر وينكر ثم يعرض عليها حتى أنها هل تعرفه أو تنكره ، والمقصود اختبار عقلها ، وقوله تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) كالدلالة على ذلك ، وثالثها ، قال قتادة : أراد أن يأخذه قبل إسلامها ، لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها ، ورابعها : أن العرش سرير الملك فأراد أن يعرف مقدار مملكتها قبل وصولها إليه ، وقال أبو جعفر : وأولي الأقوال بالصواب أنه أراد أن يجعل ذلك حجة عليها في نبوته ، ويعرفها بذلك قدرة الله وعظيم شأنه ، وأما أولي التأويلين في قوله تعالى : (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فهو قول ابن عباس من أن معناه طائعين ، لأن المرأة لم تأت سليمان إذ أتته مسلمة ، وإنما أسلمت بعد مقدمها عليه ، وبعد محاورة جرت بينهما ومساءلة (٢).
وأما الذي عنده علم من الكتاب فقد اختلفوا فيه على قولين ، قيل كان
__________________
(١) سورة النمل : آية ٣٨ ـ ٤٠.
(٢) تفسير الطبري ١٩ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤١ ، تفسير الفخر الرازي ـ