الدنيا ، قال ابن عباس : قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه (١).
وجاءت الرسل إلى سليمان عليهالسلام بالهدايا فرفضها ، وأعلم رسل الملكة أن ما آتاه الله من الملك والنبوة والرسالة وما جعل له فيهما من ثواب عظيم ، ومقام كريم ، إنما هو خير من هداياهم ، ومن كل ما عندهم من عرض الدنيا ، ثم توعّدهم بأن يرسل إليهم ، وفي بلادهم نفسها ، بجنود لا قبل لهم بها ، وليخرجنّهم منها أذلة وهم صاغرون ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ ، فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢) ، وهنا تتأكد الملكة العربية أنها أمام واحد من المصطفين الأخيار ، يطلب لها ، وكذا لقومها ، الهداية إلى سواء السبيل ، وليس رجلا غزته قوته ، فأراد أن يجعل دولتها جزءا من مملكته ، فتقرر الذهاب بنفسها إلى النبي الكريم ، قال ابن عباس : لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت : قد عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به من طاقة ، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك بملوك قومي وما تدعو إليه من دينك (٣).
ويستعد سليمان لاستقبال الملكة بأمر يخرج عن قدرة البشر العاديين ، ويدخل في عداد معجزات الصفوة المختارة من أنبياء الله ورسله الكرام البررة ، (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥٧٩ ـ ٥٨٠.
(٢) سورة النمل : آية ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) انظر : حاشية زادة على البيضاوي ٣ / ٤٩٣ ، صفوة التفاسير ٢ / ٤٠٩.