في الوقت نفسه طلبت من رسلها أن يقفوا على قوة سليمان ، ثم يعودوا إليها بتقرير واف شامل عن حقيقته ، ومدى ما يمكن أن يقدر عليه من المكيدة ، وهل يمكنه أن يهدد أمنها وأمن قومها ، إن لم تخضع لأمره ، وذلك لتكون على بينة من أمرها ، وحتى يمكنها اتخاذ القرار المناسب ، قال قتادة : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها ، علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس ، ذلك لأن الهدية تلين القلب وتعلن الود ، وقد تفلح في دفع القتال ، وهي تجربة ، فإن قبلها سليمان فهو إذن أمر الدنيا ، ووسائل الدنيا إذن تجدي ، وإن لم يقبلها فهو إذن أمر العقيدة الذي لا يصدفه عنه مال ، ولا عرض من أعراض
__________________
محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر ، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت ، وحقّا فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب ، وبعثت كتابا فيه نسخة الهدايا وقالت : إن كنت نبيا فميّز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بها في الحق واثقب الدرة ثقبا واسلك في الخزرة خيطا ، ثم قالت لكبير رسلها : إن نظر إليك نظرة غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظرة ، وإن رأيته بشاشا لطيفا فهو نبيّ ، فأقبل الهدهد وأخبر سليمان الخبر كله ، فأمر سليمان الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله ، سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة ، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبنات وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار ، ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه ، واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ ، والإنس صفوفا فراسخ ، والوحش والسباع والطيور والهدام كذلك ، فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا ، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق فأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال : أين الحق فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها ، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ، ثم رد الهدية ، وفي تفسير ابن كثير : أنها أرسلت إليه بقدح ليملأه ماء رواء لا من السماء ، ولا من الأرض ، فأجرى الخيل حتى عرقت ثم ملأه من ذلك ، وبخرزة وسلك ليجعله فيها ففعل والله أعلم أكان ذلك أم لا ، والظاهر أن أكثره من الإسرائيليات ، وأن سليمان لم ينظر إلى ما جاءوا به بالكلية ولا اعتنى به ، بل أعرض عنه (تفسير الطبري ١٩ / ١٥٥ ، تفسير النسفي ٣ / ٢١١ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥٨٠.