بديعا (١) ، فقالت لهم إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص إلى وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا ، ولهذا قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه أي خربوه ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، أي وقصدوا من فيها من الولاة والجنود وأهانوهم غاية الهوان ، إما بالقتل أو الأسر .. ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصادفة (٢).
وهكذا تبدأ الملكة في أعمال الحيلة والتدبير ، بل وهنا تظهر شخصية المرأة من وراء الملكة ، المرأة التي تكره الحروب والتدمير ، والتي تنعني سلاح الحيلة والملاينة ، قبل أن تنفي سلاح القوة والمخاشنة (٣) ، ومن ثم فإنها تعمل على أن تضع النبي الكريم موضع الاختبار لتصل إلى رأي تطمئن إليه بشأنه ، وهل هو من الهداة المرشدين أم من الطغاة الطامعين ، ومن ثم فإنها تبعث برسل من عندها إلى صاحب هذه الرسالة الذي يطلب منها ، وكذا قومها ، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين» يحملون الهدايا الثمينة (٤) ، كما أنها
__________________
(١) قارن في ظلال القرآن (٥ / ٢٦٣٩) حيث يرجح صاحبه أنها لم تعلم من ألقى إليها الكتاب ، ولا كيف ألقاه ، ولو كانت تعرف أن الهدهد هو الذي جاء به ، كما تقول التفاسير ، لأعلنت هذه العجيبة التي لا تقع كل يوم ، ولكنها قالت بصيغة المجهول ، مما يجعلنا نرجح أنها لم تعلم كيف ألقى إليها ولا من ألقاه.
(٢) تفسير ابن كثير ٣ / ٥٧٩ (ط بيروت ١٩٨٦).
(٣) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤٠.
(٤) روت كتب التفسير عن ابن عباس أنها بعثت إليه بوصائف ووصفاء وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الاثنى ثم رد الهدية فإنه نبيّ ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ونتبع دينه ونلحق به ، وعن ابن جريح قال مجاهد : فخلص سليمان بعضهم من بعض ولم يقبل هديتها ، وعن ثابت البناني قال : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموّهوا له الآجر بالذهب ، ثم أمر به فألقى في الطرق ، فلما جاءوا فرأوه ملقي ما يلتفت إليه ، صغر في أعينهم ما جاءوا به ، وفي تفسير النسفي أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن راكبي خيل مغشاة بالديباج