تأمرين» ، وليس هناك من ريب في أن هذا السياق القرآني إنما يدل بوضوح على أنها صاحبة السلطان الفعلي في مملكتها ، بعكس ما ذهب إليه بعض الباحثين (١) ، كما أشرنا من قبل ، وأما القوة والبأس اللتان أشار إليهما الملأ ، فالمراد بالقوة قوة الأجسام وقوة الآلات ، وأما البأس فالمراد النجدة والثبات في الحرب ، وحاصل الجواب أن القوم ذكروا أمرين ، أحدهما إظهار القوة الذاتية والعرضية ليظهر أنها إن إرادتهم للدفع والحرب وجدتهم بحيث تريد ، والآخر قولهم : «والأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين» وفي ذلك إظهار الطاعة لها ، إن أرادت السلم ولا يمكن ذكر جواب أحسن من هذا (٢) ، ويقول الإمام النسفي : أرادوا بالقوة ، قوة الأجسام والآلات ، وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب ، «والأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين» أي موكول إليك ، ونحن مطيعون لك ، فأمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال ، أو أرادوا نحن من أبناء الحرب ، لا من أبناء الرأي والمشورة ، وأنت ذات الرأي والتدبير فانظري ما ذا تريدين نتبع رأيك نتبع رأيك ، فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة ، مالت إلى المصالحة ورتبت الجواب ، فزيفت أولا ما رتبوه ، وأرتهم الخطأ فيه حيث «قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية (عنوة وقهرا) أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون «أرادت وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير ، لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك (٣) ، وجاء في تفسير ابن كثير : قال الحسن البصري : فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها ، فلما قالوا لها ما قالوا ، كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان ، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير ، وقد شاهدت مع الهدهد أمرا عجيبا
__________________
(١) O.Eissfeldt ,op ـ cit ,p. ٥٩٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ / ١٩٥.
(٣) تفسير النسفي ٣ / ٢١٠.