نفس الوقت أن يدعو هؤلاء المنحرفين عن عبادة الله الواحد القهار «قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون» ، وتجمع الملكة الملأ من القوم وتعرض عليهم الأمر (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ، ويقول الفخر الرازي في وصف الكتاب بأنه كريم ، فيه ثلاثة أوجه ، أحدها حسن مضمونة وما فيه ، وثانيها وصفه بالكريم لأنه من عند ملك كريم ، وثالثها أن الكتاب كان مختوما ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «كرم الكتاب ختمه» ، وكان صلىاللهعليهوسلم : يكتب إلى العجم فقيل له إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم فاتخذ لنفسه خاتما» (١) ، كما يدل ذلك أيضا على أدب جم تحلت به الملكة العربية ، وعلى أية حال ، فإن الكتاب يفيد أن الملكة كانت لا تعبد الله ، ولكن صيت سليمان كان ذائعا في هذه الرقعة ، ولغة الكتاب التي يحكيها القرآن فيها استعلاء وحزم وجزم ، مما قد يوحي إليها بهذا الوصف الذي أعلنته ، وفحوى الكتاب في غاية البساطة والقوة ، فهو مبدوء باسم الله الرحمن الرحيم ، ومطلوب فيه أمر واحد : ألا يستكبروا على مرسله ويستعصوا وأن يأتوا إليه مستسلمين لله الذى يخاطبهم باسمه (٢).
وتطلب الملكة الرأي والمشورة من الملأ في هذه الأزمة التي أتت إليها من حيث لا تحتسب ، وفي نفس الوقت تعلن إليهم أنها لن تقطع في الأمر ، إلا بعد هذه المشورة ، برضاهم وموافقتهم «يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون» ، ويأتيها الجواب سريعا من المؤتمرين «نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ، والأمر إليك فانظري ما ذا
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٣٩ ـ ٢٦٤٠.