معجزة من الله تعالى تجري على يديه ، توثيقا لإيمان جموعه بنبوته ورسالته ، ويكون الخطاب ، كما قال ابن عطية ، على هذا التأويل للعفريت لما قال (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) ، كأن سليمان استبطأ ذلك ، فقال له على جهة تحقيره (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، ليبيّن للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإيتان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت (١) ، وقد أيد القرطبي ابن عطية وقال : إن النحاس قال بذلك في معاني القرآن ، وهو قول حسن إن شاء الله ، وأن القائلين بأن قوله : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) من قول سليمان عليهالسلام ، استدلوا على ذلك بما جاء في هذه الآية نفسها من قوله فيها ، إظهار الفضل الله تعالى عليه (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) (٢).
هذا وقد ذهب الفخر الرازي (٣) إلى هذا الرأي ، فقال إنه سليمان نفسه ، والمخاطب هو العفريت الذي كلمه ، وأراد سليمان عليهالسلام إظهار معجزة ، فتحداهم أولا ، ثم بيّن للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت ، وهذا القول أقرب لوجوه ، أحدها أن لفظه الذي موضوعه في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفه بقصة معلومة ، والشخص المعروف بأنه عنده علم من الكتاب هو سليمان عليهالسلام ، فوجب انصرافه إليه ، وأقصى ما في الباب أن يقال : كان آصف كذلك ، لكننا نقول إن سليمان عليهالسلام كان أعرف بالكتاب منه لأنه هو النبيّ ، فكان صرف هذا اللفظ إلى سليمان أولى ، والثاني : أن إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية ، فلو حصلت لآصف دون سليمان ، لاقتضى ذلك تفضيل آصف على سليمان ، وأنه غير جائز ، والثالث : أن سليمان عليهالسلام لو افتقر في ذلك إلى آصف لاقتضى ذلك قصور حال
__________________
(١) تفسير القرطبي ١٣ / ٢٠٥ ، تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٧.
(٢) تفسير القرطبي ١٣ / ٢٠٥ (دار الكاتب العربي ـ القاهرة ١٩٦٧).
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٧ ـ ١٩٨.