سليمان في أعين الخلق ، والرابع : أن سليمان قال : «هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر» ، وظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان ، على أن الأستاذ سيد قطب إنما يرجح أنه غير سليمان ، وحجته أنه لو كان هو لأظهره السياق باسمه ، ولما أخفاه ، والقصة عنه ، ولا داعي لإخفاء اسمه فيها عند هذا الموقف الباهر (١).
بقيت الإشارة إلى أن بعض المفسرين حاولوا تفسير «الكتاب» في قوله تعالى : (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) ، فقال بعضهم إنه التوراة ، وقال بعضهم إنه كان يعرف اسم الله الأعظم ، الذي إذا دعى به أجاب ، كما أشرنا من قبل ، وهو «يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، أو يا إلهنا وإله كل شيء ، إلها واحدا ، لا إله إلا أنت» ، وقيل كان له علم بمجاري الغيوب إلهاما ، وأنه قال لسليمان ، فيما يروي عن وهب بن منبه ، «امدد بصرك فلا يبلغ مداه حتى آتيك به» ، فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ، ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى ، قال مجاهد ، قال يا ذا الجلال والإكرام ، وقال الزهري قال : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ، ائتني بعرشها ، قال فمثل بين يديه ، قال مجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق وزهير بن محمد وغيرهم ، لما دعا الله تعالى وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس ، وكان في اليمن وسليمان عليهالسلام ببيت المقدس ، غاب السرير وغاص في الأرض ثم نبع من بين يدي سليمان (٢).
وأيا ما كان الأمر ، فلقد تمت المعجزة ، ورأى سليمان عليهالسلام عرش ملكة سبأ مستقرا بين يديه ، فأمر أن تنكر لها معالم هذا العرش ليمتحن بذلك قوة ملاحظتها وانتباهها ، فلما جاءت فوجئت بأول ظاهرة عجيبة ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤١.
(٢) تفسير النسفي ٣ / ٢١٣ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٥٨٢ ، في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٤١.