مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ ، قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).
وهكذا رأت الملكة كل ما يبعد عنها أية ريبة في أنها أمام نبيّ كريم ، أمام نبيّ الله سليمان عليهالسلام ، وليس ، كما كانت تظن بادئ ذي بدء ، أنها أمام ملك يطمع في دولتها أو يبغي الاستيلاء عليها ، ثم يجعل من أعزة قومها أذلة ، وكذلك يفعل الطامعون المستعمرون ، وعندئذ تصرفت سيدة سبأ تصرفا تفخر به المرأة العربية على طول العصور ، تصرفا لم يقدر عليه من قبل ، ملك العراق مع الخليل عليهالسلام ، أو فرعون مصر مع الكليم عليهالسلام ، كما رأينا من قبل في هذه الدراسة ، كما لم يقدر عليه من بعد جبابرة قريش وطواغيت ثقيف وغيرهم من بعض رجالات العرب ، مع سيد الأولين والآخرين سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو قل هي رحمة الله التي تداركت هذه السيدة الكريمة ، وأراق لها الهداية والرشاد ، ومن ثم فقد أنهت الأمر كله ، كما رأينا ، «قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين» ، وحتى في إسلامها فقد كانت عاقلة رشيدة ، فلقد اهتدى قلبها واستنار ، ومن ثم فقد عرفت أن الإسلام لله وحده ليس استسلاما لأحد من خلقه ، حتى وإن كان هذا الأحد هو سليمان النبي الملك صاحب المنجزات ، إنما الإسلام إسلام لله رب العالمين ، ومصاحبة للمؤمنين به والداعين إلى طريقة ، على سنة المساواة «وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين» ، وقد سجل السياق القرآني هذه اللفتة الأخيرة وأبرزها ، للكشف عن طبيعة الإيمان بالله ، والإسلام له ، فهي العزة التي ترفع المغلوبين إلى صف الغالبين ، بل التي يصبح فيها الغالب والمغلوب أخوين في الله لا غالب
__________________
(١) سورة النمل : آية ٤٢ ـ ٤٤.