أحاديث تؤيد مزاعمهم هذه (١) ، ثم لا يقتصر القوم على ذلك ، وإنما يقدمون كل دنيء عن القوم (٢) ، فالملك السبئي يعتدي على الأعراض ، فلا تفوته عروس إلا ويفتضها قبل زوجها ، وبلقيس ، وهي ابنة عمه ، لا تنجو من هذه الإذلال ، إلا أن تثور على قومها مؤنبة إياهم على قبولهم هذا الصغار ، وتلك الخسة والدناءة ، فنقول : «أما فيكم من يأنف لكريمته وكرائم عشريته» ، ثم تعد له من وراء ستار رجلان يقتلانه في اللحظة التي يهمّ بها (٣).
ويبلغ الخيال بمؤرخينا أشده حين يزعمون أن بلقيس كانت عريضة الملك ، كثيفة الجيش ، ويقدم لنا الطبري عدة روايات عن قوة جيشها وكثرة عدده ، فرواية تذهب إلى أنه كان مع بلقيس اثنا عشر ألف فيل ، مع كل فيل مائة ألف ، وأخرى تذهب إلى أنه كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل ما قيل مائة ألف ، وفي الكامل لابن الأثير «كان لها اثنا عشر ألف قيل ، تحت يد كل
__________________
(١) جاءت في البداية والنهية (١ / ٢١) أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «كان أحد أبوي بلقيس جنيا» ، وهو ، فيما يرى ابن كثير ، حديث غريب وفي سنده ضعف ، وفي تفسير الطبري (١٩ / ١٦٩) «كان أحد أبوي صاحبة سبأ جنيا».
(٢) تسرف المصادر العربية كثيرا في ذكر الجرائم الجنسية ، في تاريخ العرب القديم ، رغم أن هذه الجرائم ، فضلا عن تعارضها مع المنطق والتاريخ ، فإنها تتعارض أيضا مع التقاليد العربية التي يعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ، فضلا عن الحاقدين والمتشككين في كل خلة عربية كريمة ، ومع ذلك فقد تكرر ذكر هذه الجرائم المنحطة في مصادر لها ما لها من القيمة عند الناس ، بصورة أو بأخرى ، وفي مواضع مختلفة من الجزيرة العربية ، تكررت في طسم وجديس ، وفي المدينة بين العرب واليهود ، وفي اليمن مع بلقيس وعتودة مولى أبرهة الحبشي (انظر تاريخ الطبري ١ / ٦٢٩ ـ ٦٣٢ ، ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ابن الأثير : الكامل ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٤٣٢ ـ ٤٣٣ ، ٦٥٦ ـ ٦٥٨ ، مروج الذهب ٢ / ١١١ ـ ١١٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٢٤ ـ ٢٥ ، ٢٨٧ ـ ٢٨٩ ، المقدس : البدء والتأريخ ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، ٣ / ٢٨ ـ ٢٩ ، معجم ياقوت ٢ / ٢٤٢ ، ٥ / ٨٤ ـ ٨٧ ، الأغاني ١٩ / ٩٦ ـ ٩٧ ، عبد الفتاح شحاتة : المرجع السابق ص ٢٨٦ ـ ٢٩٢) ، ثم انظر مناقشة هذه الأكاذيب (محمد بيومي مهران : دراسات في تاريخ العرب القديم ص ١٦٩ ـ ١٧٣ ، ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، ٤٦١ ـ ٤٧٥).
(٣) الديار بكري : تاريخ الخميس ص ٢٧٦ ، ابن الأثير ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ (بيروت ١٩٦٥).