قيل مائة ألف مقاتل ، مع كل مقاتل سبعون ألف جيش ، في كل جيش سبعون ألف مبارز ، ليس فيهم إلا أبناء خمس وعشرون سنة» ، وصدق ابن الأثير حيث يقول : وما أظن الساعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب ، حتى يعرف مقدار جهله ، ولو عرف مبلغ العدد لأقصر عن إقدامه على هذا القول السخيف ، فإن أهل الأرض لا يبلغون جميعهم ، شبابهم وشيوخهم وصبيانهم ونساؤهم ، هذا العدد (١).
هذا ويجعل الأخباريون أمر بلقيس كله بيد سليمان ، وحين ترفض الزواج من أحد رعاياها ، يزوجها سليمان من «ذي تبع» ملك همدان ، بحجة أن ذلك لا يكون في الإسلام ، وكأن الملوك قبل عصر سليمان ما كانوا يتزوجون من غير أنداد لهم ، وكأن التاريخ لا يعرف زواجا بين الأمراء وغير الأمراء ، ومع ذلك فإن سليمان لم يزوجها بواحد من رعاياها أو حتى من عظماء قومها ، وإنما زوجها من ملك همدان ، الذي لا يعرف التاريخ عنه شيئا ، وليت الذين كتبوا كله ، كانوا يعرفون أن قبيلة همدان لم تصبح لها المكانة الأولى بين قبائل اليمن ، ولم يحمل شيوخها لقب «ملك» متحدين بذلك سلطة ملوك سبأ الشرعيين (٢) ، إلا منذ أيام «نصريهأمن» (نصريهنعم) وشقيقه «صدق يهب» حوالي عام ٢٠٠ قبل الميلاد (٣) ، وأن بلقيس ، وقد عاصرت الملك سليمان (٩٦٠ ـ ٩٢٢ ق. م) ، إنما كانت تعيش في القرن العاشر قبل الميلاد ، أي قبل ظهور ملوك همدان بما يقرب من سبعة قرون على الأقل ، وعلى أية حال ، فهناك رواية تذهب إلى أن سليمان قد زوجها من «سدد بن زرعة بن سبأ» ، الذي لا يعرف التاريخ عنه شيئا كسابقه ، علي
__________________
(١) تفسير الطبري ١٩ / ١٥٤ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٩١ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٣١ (بيروت ١٩٧٨).
(٢) A. Jamme, Sabaean Inscriptions Mahram Bilquis, Baltimore, ٢٧٨.p ، ١٩٦١
(٣) J. B. Philly the Background of Islam, Alexandria, ١٤٢.p ، ١٩٤٧.