لنشهد أكثر من واحد في وقت واحد ، ولم يكن في إسرائيل ملوك في تلك الأيام ، حتى إذا كانوا من الكهنة ، وكان الواحد من هؤلاء القضاة يطلق عليه أحيانا لقب ملك أو قاض (١) ، والحق أنك لا تجد واحدا من القضاة استطاع أن يبسط سلطانه على جميع بني إسرائيل ، فكل واحد من هؤلاء الحكام والشيوخ كان يتسلم قيادة زمرة واحدة ، عند ما تهدد هذه الزمرة تهديدا مباشرا ، وهو إذا ما كتب له النصر ، لم يحتفظ حتى بقيادة تلك الزمرة (٢) ، هذا وتفيد روايات التوراة عنهم أنها تختلف بينها بدرجة كبيرة ، فبينما يبدوا بعضها ذو أهمية تاريخية مثل شعر انتصار «دبورة» أو قصة «أبيمالك» ، يبدو بعضها الآخر ذو صفة أسطورية لا أقل ولا أكثر ، وأما أبطال هذه القصص فلا يظهرون أبدا كمصلحين دينيين ، بل إن «شمعون» لم يكن حتى زعيما ، كما أن هذه الروايات مستقلة تماما إحداها عن الأخرى ، ولم يعد ممكنا أن نقول بالتأكيد ما هو الترتيب التاريخي للأحداث المسجلة (٣) من عصر القضاة ، والذين بلغ عددهم خمسة عشر قاضيا ، أولهم «عثنيئيل» وآخرهم صموئيل النبي (٤).
ومن حوالي منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، أصبح «عالي» الكاهن قاضيا لإسرائيل في «شيلوه» ولمدة ٤٠ سنة ، لم يستطع فيها بنو إسرائيل أن يوقفوا قوة الفلسطينيين (٥) ، وكان أولى المعارك بينهما في أفيق
__________________
(١) نجيب ميخائيل : المرجع السابق ص : ٣٢٥.
(٢) جوستاف لوبون : المرجع السابق ص : ٣٥.
(٣) A.Lods ,P ـ Cit ,P. ٣٣٥.
(٤) انظر : محمد بيومي مهران إسرائيل : ٢ / ٦٣٠ ـ ٦٥٧.
(٥) الفلسطينيون هم : «برست» (بلستي) أحد شعوب البحر ، وقد اختلف العلماء في مواطنهم الأصلي ، فمن قائل أنهم شعب هندي أو ربي أتى من كريت ، ولكنه لم ينشأ بها أصلا ، ومن قائل إن موطنهم الأصلي كريت ، ومن قائل إنهم ساميون ، ولكن الإسرائيليون يشيرون إلى