هذا وقد اقترن ذكر أيوب عليهالسلام بالصبر ، لأنه كان من أشد الأنبياء صبرا ، إن لم يكن أشدهم ، فلقد ابتلى عليهالسلام بلاء شديدا في أهله وبدنه وماله ، ولكنه كان مثال العبودية الحقة لله تعالى ، فصبر على ذلك حتى أصبح يضرب به المثل في الصبر على الأذى ، فيقال : «صبر كصبر أيوب» ، وقد روى الليث عن مجاهد ما معناه : أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليهالسلام على الأغنياء ، وبيوسف عليهالسلام على الأرقاء ، وبأيوب عليهالسلام على الأرقاء (١) ، وقد أثنى الله تعالى على أيوب بقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٢).
هذا ويتحدث المفسرون عما كان يملكه أيوب عليهالسلام من المزارع والحدائق ، وما كان له من أموال ودواب وأنعام وحرث ، يضيق بها الحصر والتعداد ، فضلا عن نعمة القوة والصحة ، إلى جانب زوجة صالحة حسنة الخلق والخلق ، ومع هذا لم تبطره هذه النعم الكثيرة ، وإنما صبر لها وأدى لها كل ما يلزم ، من شكر للمنعم جل جلاله وتقدير وعرفان لفضله ، وكان رحيما بالمساكين ، كما كان يكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضيف ، ومع ذلك فقد شاءت إرادة الله ، ولا راد لمشيئته ، أن تتغير الأحوال ، فصوّح الزرع ، وجف الضرع ، ونفدت الأموال ، ونفقت الماشية ، وزال الثراء العريض ، وهاجم الفقر الشديد ، والمرض القاسي العنيد ، نبيّ الله الكريم ، ثم كانت مصيبته في موت البنين والبنات أنكى وأفدح ، روى الإمام النسفي (٣) أنه عليهالسلام كان له سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير ، وسبعة آلاف شاة ، وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد ، لكل عبد امرأة وولد ونخيل ،
__________________
ـ البداية والنهاية لابن كثير ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٢٢ ـ ٣٢٤ ، الصابوني : النبوة والأنبياء ص ٢٦٤.
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٢٥.
(٢) سورة ص : آية ٤٤.
(٣) تفسير النسفي ٣ / ٨٦ ـ ٧٨.