القرآن الكريم على النصارى «أهل الإنجيل» في قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١).
وعلى أي حال ، فالمسيح عيسى بن مريم هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء ، الطاهرة العفيفة التي أحصنت فرجها وصدقت بكلمات ربها وكتبه ، وكانت من القانتين ، ويمثل المسيح عليهالسلام آخر طور من أطوار الديانة الإسرائيلية ، فهو آخر أنبياء بني إسرائيل ، وقد جعله الله عزوجل ، هو وأمه ، آية في ولادتهما ونشأتهما ، قال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٢) ، يقول الرازي : وأما مريم فآياتها كثيرة ، أحدها : ظهور الحبل فيها ، لا من ذكر ، فصار ذلك آية ومعجزة خارقة عن العادة ، وثانيها : أن رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة ، وهو قوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا ، قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، وثالثها ورابعها : قال الحسن البصري : إنها لم تلتقم ثديا يوما قط ، وتكلمت هي أيضا في صباها ، كما تكلم عيسى عليهالسلام (٣) ، وأما آيات عيسى عليهالسلام ، فسوف نتحدث عنها بالتفصيل في مكانها من هذه الدراسة ، ويقول تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ، وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٤) ، أما الآية فهي آية غير مسبوقة ولا ملحوقة (أعني ولادة مريم للمسيح من غير مسيس) ، آية فذة واحدة في تاريخ البشرية جميعا ، ذلك أن المثل الواحد من هذا النوع يكفي لتتأمله البشرية في أجيالها
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٤٧.
(٢) سورة الأنبياء : آية ٩١.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.
(٤) سورة المؤمنون : آية ٥٠.