هذا وقد يحدثنا العهد الجديد أن هيرودوس علم أن مجوسا من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم يسألون عن المولود ملك اليهود ، ومن ثم فقد جمع رؤساء الكهنة وسألهم أين يولد المسيح ، فأخبروه أنه يولد في بيت لحم ، ومن ثم فقد أسرع الطاغية فأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم وفي كل تخومها ، من ابن سنتين فما دونها ، وهنا رأي يوسف النجار ، فيما يرى النائم ، من يأمره بأن يأخذ الصبي وأمه (المسيح ومريم البتول) وأن يلجأ بهم إلى أرض الكنانة ، حيث بقوا هناك إلى مات هيرودوس ، ثم عادوا من مصر إلى اليهودية ، ولكنهم لم يقيموا في بيت لحم وإنما أقاموا في الناصرة بأرض الجليل ، خوفا على السيد المسيح من «أرخيلاوس» ابن هيرودوس وخليفته (١).
وأما مكان الولادة فكان ، كما جاء في القرآن الكريم ، عند جذع نخلة ، قال تعالى : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) (٢) ، وقال الزمخشري في الكشاف : كان جذع نخلة يابسة في الصحراء ، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة ، وكان الوقت شتاء ، والتعريف إما أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق ، كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة مشهور عند الناس ، فإذا قيل جذع النخلة فهم منه ذلك دون سائره ، وإما أن يكون تعريف الجنس ، أي إلى جذع هذه الشجرة خاصة ، كان الله قد أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو أشد الأشياء موافقة للنفساء ، ولأن النخلة أقل الأشياء صبرا على البرد ، ولا تثمر إلا عند اللقاح ، وإذا قطعت رأسها تثمر ، فكأنه تعالى قال : كما أن الأنثى لا تلد إلا مع الذكر ، فكذا النخلة لا تثمر إلا مع اللقاح ، ثم إني أظهر الرطب من غير لقاح ، ليدل ذلك
__________________
(١) متى ٢ / ١ ـ ٢٣ وكذاM.Unger ,op ـ cit ,P. ٤٧١. وكذاC.Roth ,op ـ cit ,P. ١٠٩.
(٢) سورة مريم : آية ٢٣.