على ظهور الولد من غير ذكر (١).
وعلى أية حال ، فبينما كانت البتول الطاهرة تستند إلى جذع النخلة إبان الوضع : (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٢) ، مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل إليها ، وخلق ولدها من نفخ جبريل عليهالسلام ، ووعدها بأن يجعلها وابنها آية للعالمين (٣) ، وإنما قالت ذلك استحياء من الناس وخوفا من لائمتهم ، أو حذرا من وقوع الناس في المعصية بما يتكلمون فيها ، قال ابن كثير : في الآية دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يصدقونها في خبرها ، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، ومن ثم قالت وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس ، فيما يروي عن ابن عباس والسدى ، يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه ، والحزن بولادتي المولود من غير بعل ، وهكذا تمنت الموت ، وتمني الموت لنحو ذلك مما لا كراهة فيه ، نعم يكره تمنيه لضرر نزل بالإنسان من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا ، ففي صحيح مسلم وغيره ، قال صلىاللهعليهوسلم : لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ، ومن ظن أن تمنيها ذلك كان لشدة الوجع ، فقد أساء الظن ، والعياذ بالله (٤).
وفي حدة الألم وغمرة الهول ، تقع المفاجأة الكبرى (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٣.
(٢) سورة مريم : آية ٢٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٣.
(٤) تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٩ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٨١ ـ ٨٢.