ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته ، وقيل كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان ، وقيل إن زكريا عليهالسلام أتاها عند مناظرة اليهود إياها ، فقال لعيسى عليهالسلام : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها ، فقال عيسى عند ذلك» (١) ، (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (٢).
وهكذا يعلن عيسى عليهالسلام عبوديته لله ، فليس هو ابنه كما تدعى فرقة ، وليس هو إليها كما تدعي فرقة ، وليس هو ثالث ثلاثة ، هم إله واحد ، وهم ثلاثة ، كما تدعي فرقة ، ويعلن أن الله جعله نبيا ، لا ولدا ولا شريكا ، وبارك فيه ، وأوصاه بالصلاة والزكاة مدة حياته ، والبر بوالدته والتواضع مع عشيرته ، فله إذن حياة محدودة ذات أمد ، وهو يموت ويبعث ، وقد قدّر الله له السلام والأمان والطمأنينة يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، والنص صريح هنا في موت عيسى وبعثه ، وهو لا يحتمل تأويلا في هذه الحقيقة ولا جدالا (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٣ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٨ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٨٩.
(٢) سورة مريم : آية ٣٠ ـ ٣٣.
(٣) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٨.