عليهماالسلام ، لأن بينهما ما يزيد على ألف عام ، وقال السهيلي : هارون رجل من عباد بني إسرائيل المجتهدين كانت مريم تشبه به في اجتهادها ، وليس بهارون بن عمران النبي ، فإن بينهما دهرا طويلا ، ومن ثم فقد أخطأ كثيرا جدا من قال أنها أخت هارون النبي لأبيه وأمه ، كما أنها أخت موسى عليهالسلام ، التي قصت أثره ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي» ، وأخرج الإمام أحمد بسنده عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون «يا أخت هارون» وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ، قال فرجعت فذكرت ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» (١) ، وعن محمد بن سيرين قال : نبئت أن كعبا قال : إن قوله : «يا أخت هارون» ، ليس بهارون أخي موسى ، قال ، فقالت له عائشة : كذبت ، قال يا أم المؤمنين : إن كان النبي صلىاللهعليهوسلم قاله فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ست مائة سنة ، قال : «فسكتت» قال ابن كثير : وفي هذا التاريخ نظر (٢) ، وهذا صحيح لأن ما بين موسى وعيسى عليهماالسلام قرابة اثنين وعشرين قرنا.
واشتد القوم على الطاهرة البتول : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (٣) ، قال السّدى : لما أشارت غضبوا وقالوا : لسخريتها بنا حتى تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها ، (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ، أي من هو موجود في مهده في حالة صباه وصغره ، كيف يتكلم؟ قال الرازي في التفسير الكبير : روى أنه كان يرضع فلما سمع
__________________
(١) تفسير روح المعاني ١٦ / ٨٨ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٣ ، تفسير الطبري ١٦ / ٧٧ ـ ٧٨ ، مسند الإمام أحمد ٤ / ٢٥٢ ، صحيح مسلم ٦ / ١٧١ ، تحفة الأحوذي ٥ / ٦٠١.
(٢) تفسير الطبري ١٦ / ٧٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٣.
(٣) سورة مريم : آية ٢٩.