(فَكُلِي وَاشْرَبِي) يدل على أنه نهر حتى ينضاف الماء إلى الرطب ، فتأكل وتشرب (١).
وعلى أي حال ، فإن الله تعالى أمرها أن تهز النخلة فتساقط عليها رطبا جنيا فتأكل منه ، قال المفسرون : أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع ، بعد رؤيتها عين الماء العذب الذي جرى جدولا ، وذلك ليسكن ألمها وتعلم أن ذلك كرامة من الله ، (فَكُلِي وَاشْرَبِي) أي كلي من هذا الرطب الشهي ، واشربي من هذا الماء العذب السلسبيل (٢) ، وهكذا أعطاها الله تعالى طعاما وشرابا ، والطعام الحلو مناسب للنفساء ، والرطب والتمر من أجود طعام النفساء ، ونحسبها قد دهشت طويلا ، قبل أن تمديدها إلى جذع النخلة تهزه ليساقط عليها رطبا جنيا ، ثم أفاقت فاطمأنت إلى أن الله لا يتركها ، وإلى أن حجتها معها ، هذا الطفل الذي ينطق في المهد ، فيكشف عن الخارقة التي جاءت به إليها (٣).
وأتت الطاهرة البتول بوليدها المبارك تحمله : (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا ، يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (٤) ، وهكذا بدأت ألسنة القوم بالتقريع والتأنيب ، ثم سرعان ما تحولت إلى تهكم مرير ، قائلين : يا شبيهة هارون في الصلاح والعبادة ، ما كان أبوك رجلا فاجرا ، وما كانت أمك زانية ، فكيف صدر هذا منك ، وأنت من بيت طاهر معروف بالصلاح والعبادة ، قال قتادة : كان هارون رجلا صالحا في بني إسرائيل مشهورا بالصلاح فشبهوها به ، وليس بهارون أخي موسى ،
__________________
(١) تفسير روح المعاني ١٦ / ٨٣ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٥ ، تفسير الطبري ١٦ / ٦٩ ـ ٧١ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٧.
(٢) صفوة التفاسير ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٣) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٧.
(٤) سورة مريم : آية ٢٧ ـ ٢٨.