بشرها به جبريل عليهالسلام من علو شأن ذلك الولد ، ومن قال إن المنادى جبريل قال إنه أرسل إليها ليناديها بهذه الكلمات كما أرسل إليها في أول الأمر ليكون ذلك تذكيرا لها بما تقدم من أصناف البشارات ، وأولى القولين عند جمهرة المفسرين أن المنادى هو عيسى عليهالسلام (١).
وأما السرى ، فقد اتفق المفسرون ، إلا الحسن البصري وعبد الرحمن بن زيد ، أنه النهر والجدول ، سمي لأن الماء يسرى فيه ، قال ذلك البراء بن عازب وابن عباس وعمرو بن ميمون وقتادة وإبراهيم النخعي وابن منبه ، واختاره الطبري ، وروى عن ابن عباس أنه جدول من الأردن أجراه الله تعالى منه لما أصابها العطش ، وروى أن جبريل عليهالسلام ضرب برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولا ، وقيل فعل ذلك عيسى عليهالسلام ، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر ، رضي الله تعالى عنه ، وقيل كان ذلك موجودا من قبل ، إلا أن الله تعالى نبهها عليه ، والأرجح ، عند صاحب الظلال ، أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل ، وعن الحسن وابن زيد والجبائي أن المراد بالسرى عيسى عليهالسلام ، وهو من السرو بمعنى الرفعة ، كما قال الراغب ، أي جعل ربك تحتك غلاما رفيع الشأن سامي القدر ، وروى أن الحسن البصري رجع عنه ، فقد تلا هذه الآية ، وبجنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) ، فقال إن كان لسريا ، وإن كان لكريما ، فقال له حميد : يا أبا سعيد إنما هو الجدول ، فقال له الحسن : من ثم تعجبنا مجالستك ، وروى أن خالد بن صفوان قال له : إن العرب تسمي الجدول سريا ، فقال له الحسن : صدقت ورجع إلى قوله ، واحتج من قال إنه النهر بوجهين ، أحدهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن السري ، فقال هو الجدول ، وثانيهما : أن قوله تعالى :
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٤ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٨٢ ، تفسير الطبري ١٦ / ٦٨ ـ ٦٩ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٩٠ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٧.