ومنها رابعا قوّى الله تعالى ملكه وجعله منصورا على أعدائه ، مهابا في قومه ، قال تعالى : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) ، ويذهب بعض المفسرين في معنى الآية الكريمة أن الله قواه وجعله منصورا على جميع أعدائه ومناوئيه ، فكان لا يقوم له معارض إلا غلبه ، قال مجاهد : كان أشد أهل الدنيا سلطانا ، وقال السّدي : كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف ، وقال بعض السلف بلغني أنه كان يحرسه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا ، وقال غيره أربعون ألفا ، وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم رواية عن ابن عباس أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الآخر إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه اغتصبه بقرا ، فأنكر الآخر ولم يكن للمدعي بيّنة فأرجأ أمرهما ، فلما كان الليل أمر داود عليهالسلام في المنام بقتل المدعي ، فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي ، فقال يا نبيّ الله علام تقتلني وقد اغتصب هذا بقري ، فقال له إن الله تعالى أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة ، فقال والله يا نبي الله إن الله لم يأمرك بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه ، وإني لصادق فيما ادعيت ، ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ولم يشعر بذلك أحد ، فأمر به داود عليهالسلام فقتل ، قال ابن عباس : فاشتدت هيبته في بني إسرائيل ، وهو الذي يقول الله عزوجل : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) (١) ، وعلى أي حال فإن التاريخ يحدثنا أن الله تعالى كتب له النصر المبين على الفلسطينيين أقوى أعدائه وأكثرهم أهمية ، وأشدهم خطرا كما كتب له نجحا بعيد المدى في طردهم من مناطق بني إسرائيل ، بل إنه وصل إلى مدنهم ذاتها ، كما كتب له نصرا مؤزرا على ممالك مؤاب وعمون وأدوم ، فضلا عن الآراميين (٢) ، كما سنفصل ذلك في الفصل التالي.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٦ ـ ٤٧ (دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٨٦) ، تفسير النسفي : ٤ / ٣٦ (ط دار الفكر).
(٢) انظر التفصيلات عن دولة داود عليهالسلام (محمد بيومي مهران إسرائيل : ٢ / ٦٩٣ ـ ٧٣٤).